جيفارا سوريا مات


هامش 1: ليس هناك أكبر وأصدق من عبد الباسط الساروت بالثورة السورية، ليعلن الحداد عليه وتنكس الأعلام ثلاثاً، فبخسارته اليوم، فقدت الثورة أهم بوصلاتها وباتت دونما بلبل وحارس.

هامش 2: ربما بمحاولتي تكريس ربط الساروت بجيفارا، صح وخطأ بآن،

أما الخطأ أو ما قد يراه البعض كذلك، أننا مهووسون بصور القادة العالميين، ولا نسعى لتسويق أبطالنا بمعزل عن التبعية فلربما (للساروت) أكثر مما كان لـ(تشي) الصديق.

وأما الصح، أو ما رأيته وارتأيته، فربط الساروت بمناضل عالمي، تزيد من انتشار قصته وبالتالي عدالة قضية ومطالب السوريين، إذ لا أرى شبيهاً للثورة، أكثر من عبد الباسط، بما في ذلك تقلباتها التي فرضتها الظروف الذاتية الداخلية والموضوعية الإقليمية والدولية، كما لم أر سورياً مؤمناً بالثورة ومتصالحاً مع نفسه تجاه الثورة ويقينية انتصارها، كما الساروت.

هامش3: فقدت أم عبد الباسط الساروت عام 2011 ابنها وليد شهيداً، وفي عام 2012 استشهد زوجها ممدوح، لتتابع هذه الأسرة زف قرابين للثورة عام 2013 حينما استشهد الابن محمد وتبعه عام 2014 عبد الله شهيداً، وصبيحة اجتياح حلب من نظام الأسد والميلشيات الطائفية، مات الابن بسام قهراً إثر جلطة دماغية، لتقدم خنساء سوريا (أم وليد) اليوم، أيقونة الثورة السورية عبد الباسط، شهيداً.

هامش رقم 4: بعلمي واطلاعي، لو شاء عبد الباسط الضوء وسعى لحلمه الفردي عبر المحافل والمؤتمرات وعواصم العالم، لكان ربما من أوائل السوريين مالاً وشهرة، بيد أنه، ورغم فجيعة الأسرة وخوف الأم من فقدان خامس أولادها بعد زوجها وإخوتها وحفيدها، آثر الساروت متابعة الثورة بساحة المعركة، كما يليق بمناضل يسعى لقضية سامية ويحقق ولو عبر دمه، الحرية والكرامة للسوريين.

أول من أمس، تلقيت نبأ إصابة عبد الباسط على جبهات القتال بريف حماة، اتصلت بأكثر المقربين له، للتأكد والاطمئنان (المناضل خالد أبو صلاح)، تواصل خالد وتواصلت بدوري، ليؤكد لنا الأصدقاء، أن الساروت بخير وإصابته ليست خطيرة، وإن ما من شيء لفعله، فهو تم نقله من مشفى أنطاكيا، وهو ما تم أمس إلى مشفى خاص بالريحانية، ليأتي الخبر الفجيعة فجر اليوم باستشهاد عبد الباسط، فكسانا اليتم وفطر قلوبنا فرط الحزن والوجع.

يدايّ ترتجفان، رغم أن الموت حق وكانت الشهادة مطلب عبد الباسط وحلمه مذ قال لأمه (يا يما أنا طالع أخلع ثوب العار) وصولاً إلى (يا يما ثوب جديد، زفيني جيتك شهيد)، وما بينهما من أغان باتت شعارات الثورة ونشيدها الوطني، (كجنة جنة جنة..سوريا يا وطنّا)، وآخر أغانيه قبل أيام (سوريا جانا رمضان، وبعد رمضان العيد. . تاسع سنة يا غالية بينا المرار يزيد).

فلماذا يا ترى كل هذا الحزن الذي كاد أن يفقدني يقين نصر الثورة وشعوري بموتها مع الساروت؟!

ببساطة، لأن ثورة السوريين، هي تماماً كما عبد الباسط، بصدقها وعفويتها وبساطتها، قبل أن تتلوّث ويحاول السراق خيانتها.

ولأن السوريين حينما خرجوا بطلب العدالة والكرامة والحرية، كانوا كما الساروت حرفياً، طبيعيون حماسيون صادقون، لا تحكمهم نظريات ولا توجههم دول وأموال وأجندات.

ولأن الساروت، كما من سبقه للمجد والشهادة، أمثال (أبو فرات وحجي مارع وهرموش)، هم من كرسوا صورة البطل الشعبي والثائر المناضل بذاكرة السوريين، بل وكانوا اكسير البقاء على خط الثورة والاستمرار حتى الحرية، وزاد إلى جانب الشهيدات فدوى سليمان ومي سكاف، أن ألهب الشارع بغنائه وأهازيجه وعباراته البسيطة.

فببساطة، هؤلاء هم السوريون دونما تكلف وتجمّل ورتوش، وهم كانوا الأمل بلجم السراق وتصويب مسيرة ومسار الثورة.

وربما الأهم، لأن الساروت خير من عكس الثورة بتردداتها وارتداداتها، ونقل بصدق مراحلها التي عاشها بحسه العفوي الصادق، حتى بما عابه عليه كثيرون وقتما حمل السلاح إلى جانب أصحاب اللحى المستوردة، ربما ليقينه بأن الديكتاتوريات لا تسقط بالمؤتمرات ولا عبر طاولات الخنوع والتنازل.

بكّرت برحيلك أبا جعفر، وإن ختمت نضالك بما حلمت، شهيداً مقبلاً واقفاً تحول دونما تدنيس الأرض وسرقة الأحلام، رحلت يا ابن سوريا ولم تزل بالحق غصة الحنين للثورة (حانن للحرية حانن، يا شعب ببيتو مش آمن، كبار صغار بنعرف إنو...إللي بيقتل شعبو خاين).

نهاية القول: أمي وأم السوريين جميعهم، أنت ومن تبقى من أهلك شرف لنا وأمانة بأعناقنا.

 

أم الوليد الساروت، فقدت خمسة من أولادها وثلاثة من إخوتها وحفيدها، فهل لم تزل بعد اليوم (تماضر بنت عمرو السلمية) خنساء العرب.

يا لهذا الوجع الذي يأكلنا.

 

 

عدنان عبد الرزاق

كاتب ومعارض سوري

 

 
 
Whatsapp