ما حـــك جــلدك مثلُ ظفـــرك


 

جميع الشعوب تتشارك في صناعة التاريخ، وشعوبنا العربية لا تستطيع الإفلات من ذلك، فإما أن تشارك في صناعة تاريخ العالم، وإما أن تكون مادةً له؛ ويبدو أننا قد انتكسنا فصرنا مادةً لتاريخ العالم، عالـمٌ يقع خارجنا، ويقرر مصائره ونحن تابعون، ولا نُقرر أي شيءٍ، ننحدر بفضل سياسات لأنظمة طغيانية تابعة، ولاهثة فقط على ما يُبقي تسلطها، ولو أدى ذلك لتدمير البشر والحجر واستدعاء الغزو الخارجي لمساعدتها في ذلك.
بعد هذه السنوات من الإبادة الروسية لشعبنا وثورتنا وبلدنا، أدرك السوريون من معارضين وغير معارضين أن نظام عائلة آل أسد يسير إلى نهايته، ويرون بأعينهم أنه أصبح مثله مثل أي فصيل مسلح معارض، له ولي أمر يفاوض عنه ويعطيه الأذن ببدء القتال ويزجره كتابع ذليل عندما يرى أن عليه أن يتوقف عن القتال.
السوريون كشعب متعدد الأديان والقوميات مستعد لضرورات النضال ومواجهة الاحتلالات بالتظاهر وحرب التحرير الشعبية، ووضع ذلك حيز التطبيق؛ فقد يكون الحل الوحيد كي يتم استعادة سورية كدولة مستقلة حرة قابلة للاستقرار والازدهار، عبر بروز حركة وطنية سورية قادرة على إعادة الأمل للسوريين بإمكانية استعادة بلادهم وحريتهم واستقلالهم، مسلحة بإرادة السوريين على خوض حرب تحريرٍ تُفضي للتخلص من آثار النظام الفاشي والاحتلالات المرافقة.
إن التدخل العسكري الروسي في سورية الذي يُعد أول عملية عسكرية تقودها روسيا خارج فضاء الاتحاد السوفييتي السابق منذ تفككه عام 1991، بدأ في 30 أيلول/سبتمبر 2015، ليُتم عامه الرابع بعد أيام، ودون أن نُسهب في سرد المحطات والمجازر بعد التدخل الإرهابي الروسي والإيراني لمساعدة جيش الإرهاب الأسدي بجرائمه ومجازره التي تُبثُ على الهواء وبعلم الأمم المتحدة؛ فإنه من الضروري أن تتغير نظرتنا للدور المنوط بشعبنا وأحرارنا الثوار؛ ونذكرهم بما قامت به القوات الشعبية في الصين بمواجهة الغزو الياباني.
التحرير مسؤولية جماهير الشعب بكاملها، وتشمل كل إنسان قــادر على حمل السلاح، بكل مدينة وقرية وشارع ودار من أرض وطننا. فطبيعة صراعنا مع العدو وحلفائه والمرتزقة المرافقين له، تفرض أن يكون هذا الصراع شاملاً.
لعلها حرب التحرير الشعبية، التي تفرض نفسها في بلدٍ مُحتل، وغير قادر على بناء قوته النظامية وتسليحها، الأمر الذي يتطابق مع واقعنا وثورتنا؛ وبالرغم مما تتمتع به كلمة شعبية من سحــر، فإن حرب التحرير الشعبية لا تعبر إلا عن الوسيلة التي يملُكها شعبنا المضطهد، لفقره وتخلفه في مواجهة القوة الضخمة للاستعمار والاحتلال الروسي والإيراني المزدوج؛ من افتقاد للسلاح الثقيل ونقص في الخبرة وعدم القدرة على تشكيل قوات نظامية أمام بصر العدو المُحتل الذي لا يسمح بمثل هذا التشكيـل أن يكتمل ويتزود بالتدريب والسلاح اللازمين مما يجعله مضطراً إلى الاعتماد على الأسلوب الوحيد الذي يستطيع أن يمارسـه ضد مضّطهديه في ظروفٍ شاقةٍ كهذه.
حــرب التحرير الشعبية في نظر ’’ماوتسي تونغ‘‘، وهو أهم مبتكري هذه الحرب والمخططين لها، ليست أكثـر من قضية فرضتها ظروف الصين الخاصة في حربها ضـد الغزو الياباني.
ونعلم أن فكرة حرب التحرير الشعبية قد ظهرت في سورية كشعارٍ بدأ حزب البعث الفاشي يطرحه قبل عدوان 5 حزيران/ يونيو 67 19، ثم استمر في طرحه بعـده في محاولة للتقليل من أهمية الجيـش النظامي في المعركة التي كشفت إلى حدٍ كبير عجـز هذا الجيش وعدم استعداده للقتال بكفاءة في وجهِ عـدوٍ حسن التدريب ومُسلح وفق أحدث النظم العسكرية؛ وكانت رسالة حينها للصهاينة على أن دور حزب البعث وجيشه ليس لمواجهتهم وقتالهم ( كما كان يتشدق ) بل لمواجهة الشعب والحد من نيله حريته وحبك المؤامرات ضد الأمة، وهو ما بدا جلياً بعدها؛ واستخّـــرج الشعار، وطرحه بشكل ميكانيكي ومثالي قياساً على ما كان يجري في فيتنام وعلى ما تم من قبل في الجزائر دون أن يأخذ بعين الاعتبار الاختلافـات البينية، بل جاء تخبطاً للبعث في إطلاق شعاراته ذات البريـق السطحي والتي تفتقد إلى الرصيد الشعبي الذي لا بد منه لتحويل هذه الشعارات من (شقشقة) لفظية إلى واقع حياتي يعيشه الشعب ويتصرف على أساسه .
في يـدنا أن نتجاوز كل عناصر الضعف وعوامــل التمــزق في جبهتنـا، فكيف تكونُ البداية؟
إن نقطـة البـدء في نظرنا هي تكوين جبهـة داخلية قوية وصُلبة؛ وأي تحليل موضوعي لأوضاعنا الراهنة يقودنا إلى السير في طريـق حركة وطنية سورية على أوسع نطاق ممكن إذا ما أُريـد لكفاحنا أن يبلغ نهايتــه الظافرة ضد العدوان والغزو والاحتلال الذي يقوم على أرضنا اليوم. مع البحث الجدي عن غطاء سياسي لمثل هذه الحركة الوطنية الديمقراطية.

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب وباحث سوري

 
 
Whatsapp