صوت الصمت


 

 

نام الجميع بعد سفر طويل، فخرجت إلى الشرفة لأستنشق هواء جديداً وأقارنه بهواء بلادي، وقفت أنظر فأصبت بهلع شديد، لا أسمع شيئاً مطلقاً، هل أصابني الصمم فجأة أم هو صمت عابر؟، أصغيت بشدة لا شيء!

بحركة لا إرادية فركت أذني من جانب خدي ليعود الصوت إليها، لا شيء!، هززت برأسي ليعود لي سمعي، أغلقت عيناي وليست هناك أية صلة للسمع بذلك، ناديت أمي باللاشعور، ردت وطمأنتني قائلة:

  •  لا تجزعي، إنه صوت الصمت.

أتحدث بجدية تامة، سمعت صوت الصمت وكاد أن يصم أذنيًّ، لا وجود لهذا الصمت في بلادنا، هنا حيث شاء القدر أن أكون، يكاد الهواء أن يتحدث معك، بل يتحدث ويسألك عن أحوالك وسبب استغرابك.

لم أمر ولا بلحظة واحدة بحياتي لم أسمع بها شيئاً، حتى بنومي العميق السمع عندي يبقى مستيقظاً، لصوت الصمت جمال لا يضاهى يقال بأنه لغة العظماء، بين طياته تختفي تراكمات الأحزان وتغلف أعصابنا الطمأنينة وقد تأخذنا بعيداً في عالم الخيال، نحتاج منذ سنوات لهذا الصمت علّ أرواحنا تهدأ، وتنتظم دقات قلوبنا فقد خفقت عن مئة عام.  

إنها تجربتي الأولى مع صوت الصمت، ليس صمماً إنه المكان، فهناك فرق بين الصمت والسكوت، غياب كلي والعودة بالذاكرة إلى كل ما هو قديم، أول ما يرد في بالك صمت الموتى الذي يبقينا على قيد الحياة.

غياب كلي وصور لآثار جميلة بما تركه الراحلون، هل يروننا؟ وهل أحبونا كما نحن أحببناهم، وهل ضجيجنا بالحياة يزعجهم، أم يتقبلونه ويستمتعون بخطواتنا ولهونا؟، هل أعجبهم صمتهم فصمتوا للأبد؟

 الصمت نص أدبي لا يفهمه إلا من اقترب من روحك، فالصمت يدعك تتأمل الحياة بشكل مغاير، كيف تشرق الشمس كل يوم وتسطع النجوم ويغني القمر، وهو سور يحيط بنا من الحكمة، صديق وفي لا يمكن أن يخوننا، هو دواء ودرع حماية لنا، ليسمعك الآخرون إلزم الصمت، فلن تندم يوماً على صمتك، فقد يكون لسانك سبباً لقطع رأسك، إعمل بصمت تنجز أكثر، ليصمت الأشرار ولكن المصيبة الكبرى إن صمت الأخيار، ففي الصمت ظلام لا يمكن لألف شمعة أن تضيئه، لكن الصمت أمام المطر شيء آخر، فالمطر يتحدث ويروي لك قصصاً وحكايات لا تنتهي، ويغني بصوت قدسي يجعلك تحلق في كل السماوات، ويبكيك أحياناً بشدوه الحزين ويواري دموعك بمائه العذب، في الصمت راحة للصمت، لا يجعلك تندم مطلقاً على صمتك، فالحجارة ليس صماء لكنها تلتزم الصمت، وإن وقعت عليك كانت النهاية الصامتة.

لتحير عدوك عند اللزوم اصمت أمامه ولا تدعه يعرف إن كنت حياً أم ميتاً، ولا يعرف ردود أفعالك ونظرتك الحقيقية له.

منه تولد أشياء مذهلة اعتمد على ثلاثة أشياء، استفهم تعجب واصمت، وسافر من خلال غيمة الصمت فمن خلاله تدرك المعرفة، فالتركيز يحتاجه لتغسل به غبار الكلام، لو أرهفت السمع إليه لقلًّ كلامك فهو صديق أخرس يملك البلاغة والحكمة، فبلاغة العاشق منه، لأنه لغة مؤلمة، لكنه يملك طاقة قوية،

الصمت يا سادة وقار واحتياج ضروري في أغلب الأوقات:

 ولكن إياكم والصمت عن الغدر والخيانة، عن الظلم والاضطهاد، وعن حاكم ظالم

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

Whatsapp