بحور بلا شواطئ


 

 

شواطئ ملتهبة وحمم حارقة، قمر لا يضيء، وثلج يصهل في الأوردة دون أن يذوب بالرغم من قهقهة الأمطار، طفل لا يتوقف عن البكاء وشمس لا تغيب!

هي حياتنا باختصار وحشة واغتراب، أشلاء الروح تئن بين رقة الحلم وقسوة اليقظة، وذوبان حشاشة القلب بين الحرب والسلام فقد سئمنا من انتمائنا للبشرية، ارتدت قلوبنا الزمهرير، ولبسنا عباءة من البكاء، قدر مرعب أهوج مدمر كالطوفان، أصبحنا نعشق الخيال لأنه عكس الواقع، الذي أعلن انتصاره بموت الإنسان، كل البلاد مسكونة بالموت في غياب الوطن، وكل الصامتون كاذبون فالصمت أمام الحقيقة جريمة ورياء، في غيابه قرأ الأغبياء الكثير من الكتب السخيفة فأصبحوا أشد خطراً على هذا الوطن الجريح، نحتاج إلى وطن يمنحنا اللجوء بلا لجوء، أو لحياة عكسية! تبدأ من رحلة موتنا، هناك من ينعينا ويصفنا بالبؤساء وهناك من يقول إنهم أقوياء، رحلوا بلا ألم، وربما يظنون أننا أحياء، والكل على أكتافنا ماضون، ها نحن ضمن الوطن من جديد، لا موت لا قهر لا ذل لا دمار ولا دماء! شيوخ نعاني من خلل وتلف بالخلايا وتجاعيد لا توارى إلا بتوشيح قلوبنا بحب الأطفال فمحبتهم تسري بالرئتين، نحتمي في براءة عيونهم، نطرز محبتنا بالتحديق في عيونهم ولا نغرق! نحكي لهم حكايات الجن والأنس لينامو ونحن من ننام، كباراً يلمع أمامنا قطار العمر ونسمع صفيره من بعيد، ننتظر قليلاً لا نصعد وندعي بأنه فاتنا القطار، نرقب تخرج أولادنا ونحتفي بزواجهم ونطبع قبلة على جبين من أنجبت كل مساء، وجاءت مرحلة مليئة بالحيوية والنشاط، طاقة هائلة من العطاء، نحن الآن شباباً، هل نقف هنا أم نكمل ونعود أطفالاً نلهو ونغفو كل يوم ونحن سعداء، هلّا وقفنا هنا بمرحلة الشباب؟ وفكرنا بمصيرنا ومصير آبائنا وأولادنا وهذا الوطن، أم نقف مكتوفي الأيدي، ننظر من ثقب بعيد ماذا يحل بهذا البلد؟ هل العودة للوراء ستثنينا عن قيامنا ضد الظلم والإجرام؟ هل نترك بلادنا يتقاسمها الأوغاد، نفكر بطريقة تفك عقدة انطواء هذا العالم وتغيير المفاهيم، من الظالم ومن المظلوم، هاجرنا واكتشفنا أن حكامنا أحقر من الأجرام وأن الجيش وجد لقتلنا وأننا عشنا بلا قيمة ولا حرية ولا كيان، وأن لا وجود للحسد فحياتنا لا نحسد عليها بل سيشفق علينا الحساد، سحابة سوداء انهالت على الأرض وأفرغت كل حمولتها، وأنجبت المسؤولين في بلادنا محقونين بالفساد، ماتت نبضات العالم وهزمت الحياة، وغطى وجه الأرض الطفيليات، لن نقف على الأطلال نتألم، فالزمن لا يتوقف، لنقف ونعيد النظر، أم نغمض عيوننا ونكمل مشوار العودة العكسية إلى فنادق الأمهات حيث الفراش المائي الوثير يسندنا كيفما مال، الطعام والدفء والأمان هل فعلاً نحتاج أن نولد من جديد؟؟.

نكبر مع براعم الياسمين، حيث الاستقرار على حرير القلوب وفيض الندى كغيم مستحيل لترقص بين أيدينا حبات المطر وتزهر المحبة بالأعماق وتلمع الأحداق لزمان فيه أسماؤنا أحلى وجوازات السفر تكتب بالخط الجميل لا مكان فيه للنت ولا هاتف يقطع من شروشه ليوضع في جيب صغير والأرض كالفردوس تجري من تحتها الأنهار وتنشده الأطيار.

هل نولد من جديد؟

 

 

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

 
Whatsapp