''نهاية سرديتي: " سورية الأسد" والهلال و"قيصر


 

                                                           

 

 

لطالما كان الرضى الأميركي عن حكم البعث وآل أسد الجواسيس عبر ترتيبات تسليم الجولان واتفاق حافظ – مورفي والصمت على جرائمهم وإطلاق أيديهم في لبنان وسورية بشكل كامل عبر القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية وكذلك إدارة الظهر لكل ما يخص الشأن الوطني السوري وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد والاستبداد وما استتبع ذلك من تشكيك للمواطن السوري والعربي بمستقبل نضاله ووطنه وشعبه؛ ولا ننسى أن صمت الغرب الديمقراطي كله هو من ساهم بإيصال سورية إلى ما هي عليه، بدعمه المتواصل للديكتاتورية (البعث أسدية) في سورية طيلة السنوات الـ 58 عاماً المنصرمة.

يأتي إقرار مجلس النواب الأميركي بغرفتيه وبالإجماع (" قانون حماية المدنيين" بأقسامه الثلاثة) أو ما يعرف بقانون " سيزر" أو " قيصر" الذي ينص على فرض عقوبات على حكومة القتل السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات أخرى للتأكيد على عزم الإدارة الأميركية على لعب دور هام جديد في سورية والشرق الأوسط عامةً وكأنه رفعٌ للغطاء عن هذا النظام الفاشي والمجرم الذي سكتوا عنه.

وبموجب قانون سيزر لحماية المدنيين في سورية، سيُطلب من الرئيس الأمريكي، بعد أن يوقعه، فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري.

وسيغير هذا القانون التعاطي مع سورية وثورتها أميركياً على الأقل، مع أنها لم تهتم يوماً بإسقاط النظام السوري، فقد راقبت كيفية تحويل الثورة إلى حرب على الشعب ذات بعد طائفي. 

لكن روسيا الساعية إلى استعادة مجد الاتحاد السوفياتي، وافقت على الدخول إلى سورية حالما استدعتها إيران والنظام، لنجدة الأخير وخوفاً من دحر إيران ذاتها، واضطرت إلى تفكيك بعض المسارات (جنيف والقرار 2254) واستبدلت بها تفاهمات أستانة وسوتشي، مما جعلها رهينة تحالفاتٍ، وكذلك للتحالف الدولي ضد (داعش)، أي لأميركا والدول الداعمة للحلف والمشاركة فيه. روسيا بذلك حاصرت نفسها، ولم تحاصر أميركا أو أوروبا؛ سياسات روسيا الهشّة دفعتها إلى أن تكون رهينة أعدائها وحلفائها في آن واحد!

مشكلة روسيا في توهمها أنّها (دولة عظمى)؛ فهي أصبحت دولة تتحكم بها " مافيا " تسلطية، وارثة لإنتاج عسكري كبير مأخوذة بالأقصى بدل الأمثل، توهمها ذاك دفعها إلى مقارعة أميركا وأوروبا مع وصول بوتين إلى الحكم، ولكن المقارعة تلك لم تُكسبها إلّا عقوباتٍ تتعاظم تباعاً، وتردّياً في أحوال اقتصادها، وحياة أغلبية سكانها؛ جاء الرد الروسي أيضاً على الدول العظمى عبر دعم القوى الشعبوية اليمينية في أوروبا، المنبوذة بدورها في بلادها، والتي لن يكون لها دورًا كبيرًا في مستقبل أوروبا، وبالتالي تلعب روسيا في الزوايا الخاطئة لما يؤثر بأوروبا وأميركا. روسيا المتدخلة في سورية، وعلى الرغم من أن ذلك حصل بصمتٍ أميركي وأوروبي، فإنها لم تستفد منه، لتفرض سيطرة حقيقية على سورية، وليس سيطرة زائفة، تتعرّض وستتعرض للانهيار في المستقبل.

لذلك يأتي قانون " قيصر" ليقضي نهائياً على أحلام المافيا الروسية وملالي إيران، شركاء المافيا الأسدية، ونهاية الضجة المفتعلة بأنهم من سيرسم مستقبل سورية، ثم تأتي ثورتي العراق ولبنان وبالاً على روسيا والنظام السوري والملالي، حيث حاصرت الثورتان أنظمتهم، فقد كانا بمثابة منفذَين للنظام السوري على العالم، ولتخفيف الحصار عليه، وبذلك لم يعد في مقدور النظام العراقي العميل والمُجرم دعم شقيقه السوري بمليارات الدولارات أو بالمليشيات؛ النظام السوري يتهاوى اقتصادياً بفعل ذلك، وروسيا وإيران المحاصرتين لا تستطيعان إنقاذه، وهو لا يستطيع السير بالضغط على التجار أو الفاسدين إلى النهاية، حيث هو غارق في الفساد وحامٍ لهم في آن واحد؛ نتيجة ذلك كله، العملة السورية تنهار، ورصيد البنك المركزي من العملة الصعبة يكاد ينفد، والوضع المعيشي لأغلبية السكان ممن تحت سيطرته يتردّى، وهناك من يتوقع ثورة جياع في المناطق المحسوبة على النظام أيضاً، كل هذا الفشل يعني شيئاً أكبر من النظام، فالأخير خارج العلاقات الدولية منذ أكثر من ثماني سنوات، بينما الفشل الحقيقي يطال روسيا التي لم تستطع تعويم النظام مجدّداً، ليس لدى أوروبا، بل في الخليج كذلك، وتركيا ما زالت تمتنع في إقامة علاقات معه، ولديها شروط سياسية عليه كما هو حال أميركا وأوروبا؛ وبخصوص إسرائيل، ليس بمقدور روسيا إقامة سلم بينها وبين النظام في الظروف الحالية، ومع كل الدعم الصهيوني للتدخل الروسي فلن يكون لزيارة قاتل الأطفال ’’ بوتين ‘‘ المتوقعة في كانون ثاني القادم للكيان الصهيوني إلا المزيد من الفشل؛ فروسيا تكدّس الفشل تلو الآخر إزاء سورية ومع السوريين، وهي بذلك لا تستطيع شرعنة النظام دولياً وإقليمياً، وهي ذاتها تتعرض لعقوبات جديدة.

سيكون قانون " قيصر" بمثابةِ حصار أميركي كبير على النظام وعلى حلفائه، وسيُغلق المنافذ التي كانت واشنطن تسمح بها، وسيشمل كل الدول والأشخاص الذين كانوا يسهلون للنظام تأمين احتياجاته الصناعية والتجارية والعسكرية، وستطال آثاره روسيا كذلك، وسيشمل كل الشخصيات الأساسية في النظام والمتعاملين معه؛ تضاف إلى هذا القانون النتائج السياسة الخطرة للسيطرة الأمريكية أخيراً على أغلبية آبار النفط السورية، أي منعت النظام وروسيا من الاستفادة منها، وأميركا بذلك تصبح شريكاً مباشراً في أية تسوية سياسية تخص مستقبل النظام.

يعود الفضل في وصول قانون " قيصر"  لما وصل إليه بشكل رئيسي للجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية التي تمكنت من فصل " قانون حماية المدنيين" المسمى " قانون سيزر" عن مشاريع قوانين أخرى، كانت تمنع التصديق عليه؛ فقد أُرفق نص مسودة قانون "سيزر" كإضافة لقانون موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020، وبذلك تحول من مشروع إلى قانون؛ وكذلك جهود الكثير من الكفاءات السورية المنتشرة بدول اللجوء كجنود مجهولين، مع كل التقدير وبشكلٍ خاص للجهود والتضحيات التي قام بها الجندي الأول بينهم وهو " قيصر" الذي سُمي القانون باسمه؛ لعل ذلك يكون فاتحةً لإعادة التأكيد على أن التعاون والعمل المشترك، وصب الجهود في بوتقة واحدة، ووحدة الموقف والهدف، هي الكفيلة بتحقيق أهداف الشعوب.

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب سوري

 

 
Whatsapp