العراق الماضي والحاضر


        

 

    مما لا شك فيه أن العراق بعد تأسيسه بحدوده الحالية في عشرينات القرن الماضي، كانت له حظوة كبيرة بين دول المنطقة وكان لاسمه صداً واسعاً، تعاقبت الحكومات على تأسيسه بشكل قويم على دعامات متينة. لقد أنشأت تلك الحكومات قاعدة قوية مستندة إلى بنية تحتية حديثة أعادت لبغداد مكانتها بين دول المنطقة، وكانت حتى سبعينات القرن الماضي، مرتعًا للسياح وقبلة لجذب كبريات الشركات العالمية للاستثمار فيها، واتخذت بعض دول الجوار من العراق مركزًا طبيًا للتداوي.

   ولقد كانت بغداد تحت الحكم الملكي وإبان فترة الاستعمار الإنكليزي الذي دخلها عام 1917، سباقة في جلب التكنولوجيا، فهي أولى العواصم العربية التي بدأ فيها البث التلفزيوني الحكومي الرسمي في العام 1956، وأنير شوارعها بمصابيح الكهرباء عام 1917، كما كانت أول دولة عربية سعت لمحو الأمية، وكانت تقدم المكافآت للملتحقين بالبرنامج بتلك المدارس. وليس ذلك غريبًا، فللعراق إرث حضاري يمتد إلى سبعة آلاف سنة، ويملك من الثروات ما كان يفيض عن حاجته وحاجة ساكنيه، فهو أرض السواد وبلاد الرافدين مهبط الأنبياء.

    لكن شعب العراق الذي حصل على الجنسية باسم مملكة العراق لأول مرة عام 1927 مع العائلة المالكة التي حصلت على تلك الجنسية أيضًا كونها تنتمي إلى الأسرة الهاشمية  في الحجاز، هذا الشعب لم يقبل بوجود الاستعمار الإنكليزي على أرضه ولم يرض أيضًا بحكم الأسرة الهاشمية الحجازية وتكررت الانتفاضة تلو الانتفاضة ومحاولة الانقلاب بعد الانقلاب، إضافة إلى تدهور حكم العائلة المالكة مرحلة بعد مرحلة، وتماهيها مع حكومة الاحتلال في سياساتها الداخلية والعربية والدولية، فمن حلف إلى حلف ومن مؤامرة على هذا البلد الشقيق أو ذاك، خدمة لمصالح الاستعمار سقط الحكم الملكي عام 1958 على يد ضباط الجيش في ما سمي ثورة 14 تموز/يوليو التي قلبت العراق من مملكة إلى جمهورية.

لكن مع الأسف توالت الانقلابات والمجازر وانتكست مقومات الدولة خطوة تلو خطوة عبر تخبط حكامها وتفردهم وتسلطهم وسطوة أجهزنهم الأمنية، وحروبهم العبثية التي أهدرت الدماء والأموال، وأجهضت حلم بناء دولة عصرية غنية بمواردها وثقافة شعبها. ليصل العراق إلى الصدام مع العالم بعد حروبه مع إيران باحتلاله الكويت.

إن الدولة بمفهومها الحالي تعني وجود الأرض والشعب، تحكمها منظومة قوانين ضابطة وتستمد شرعيتها من مواطنين أحرار لخدمة الصالح العام دون تمييز بين لون أو عرق أو دين.

    إلاّ أن أنظمتنا العربية لم تحترم هذا المفهوم مما أدى إلى ما نشهده الآن من نزاعات واحتلالات وقتل وتشريد، كان ومازال مستمرًا بكل أسف.

 

 

محمد عمر كرداس

كاتب سوري

 
Whatsapp