النديم


 

 

 

 

حين تزوج صديقي خسرت بزواجه نديماً جميلاً للسهر، فبقيت وحدي أقصد البار الذي كنا نسهر فيه حتى الصباح بينما هو كان يعيش في العسل.

فكّرت ذات مرة بأن أفكر بجدية وأن أضع كل الاحتمالات أمامي، فكل شيء قابل للحدوث حتى تلك الأشياء التي كنا نضعها في قالب المستحيل.

في العام ١٩٧١ جئت للحياة وفي أول زيارة لعمي إلى حلب قام بتسجيلي أنا وأختي واثنين من أولاد عمومي فحملنا كلنا التاريخ نفسه وهكذا صرت من مواليد ١٩٧٠. 

في العام ١٩٧١ لم تكن أمي في الولايات المتحدة الأمريكية كما أنها لم تكن قد سمعت بها أيضاً، وهكذا خسرت هذا الامتياز بأن أترعرع في ظل تمثال الحرية وأقضي طفولتي في ولاية تكساس راعياً للبقر.

كنا نحتفل بعيد ميلادنا أنا وأختي وأولاد عمي معاً، فكلنا صدقنا تلك الأكذوبة، 

في العام ١٩٧٠ عرضت شركة شحن على أبي أن يسافر لعام إلى النروج لكن أمي رفضت أن ترافقه خوفاً من البرد فلم يسافر، ولهذا لم أحظى بأن أحمل جواز سفر يهز السفارات، وخسرت حلمي في أن أكون مواطناً ينحدر من سلالة (الفايكينغ) ولم أستطع مشاركتهم في غزو السواحل الأوربية، ولهذا لست صاحب عيون غريبة ولست من قبائل (الفايكينغ).

عاد صديقي إلى البار وعادت سهراتنا وبعد خمس زجاجات من البيرة قال لي:

  •  زوجتي طلّقتني يا صاحبي.

ذهبنا أنا وابن عمي معاً لأداء الخدمة العسكرية بينما كان من المفترض أن يسبقني هو بعام كامل لكن هذا لم يحدث وفي الثكنة تعرفت على صديق تأخر عمه في التسجيل أربع سنوات.

لو كان أبي فكر في السفر إلى اليابان لكنت الآن يابانياً أنتمي لبلد يحلم كل صيني بالتسلل إليه والاستقرار فيه، لكن أبي أحب تلك البلاد التي لا تحمل أي امتياز سوى المحبة.

صديقي تزوج للمرة الثانية وأنا عاودت السهر وحدي في البار ذاته وكان لفراقه هذه المرة وقع أخف من السابق.

لو كانت أمي فرنسية لقضيت طفولتي على ضفاف نهر السين ولكنت فكرت على الأقل خمسة مرات بتسلق برج إيفل وأنا طفل لأنني فعلت في طفولتي كل الأشياء السيئة، وتسلقت مئات الأشجار في رحلة الحلم نحو اكتشاف النجوم، لكن أمي ليست فرنسية ولو كانت كذلك لما تزوجت من القروي أبي ولذلك خسرت الانتماء لبلد غزا نصف الأرض.

كان ابن عمي يفرض رأيه عليًّ بقوله:

  •  أنا أكبرك بعام.

لكننا على الورق سوية، كلنا صدقنا تلك الكذبة، صديقي عاد إلى البار وعادت الضحكات تتعالى بعد طلاقه الثاني وأنا لازلت وحيداً.

لو كان أبي يحب السفر إلى البلاد البعيدة واستراح في بلاد السند التي وضع الحجاج بن يوسف عينه عليها حتى فتحها لكنت ترعرعت على ضفاف نهر السند، ولكنت الآن اتكلم الهندية بطلاقة، لكن أبي لم يسافر إلى تلك البلاد لأنه كان يحب الموت في بلد لا يمر فيه نهر السند ولا تحيط به جبال هيمالايا، ولذلك لست هندياً ولا أجيد الرقص.

ضربني ابن عمي لأنني شتمت الرئيس ولم أستطع الرد عليه لأننا صدقنا الكذبة بأنه أكبر مني، صديقي تزوج من ثالثة وأنا عدت للسهر وحدي دون نديم بينما هو يعيش في العسل.

أمي لم تسافر وأبي أيضاً لم يكن يحب السفر بعيداً عن تلك البلاد ولذلك حملت جواز سفر مكتوب عليه (جميع دول العالم ما عدا العراق)، لكن كل البلاد رفضت منحي تأشيرة سفر.

ابن عمي اعتذر مني بعد أعوام واعترف بأنه أصغر مني لكنه صدق تلك الأكذوبة، 

صديقي عاد للسهر معي بعد أن طلّق الثالثة وأنا لازلت وحيداً.

لست من سلالة (الفايكينغ) لكن البرد يأكلني، لم أر تمثال الحرية لكنني حر، لم أتسلق برج إيفل كي لا أرى قساوة الغرب، لا أتقن اللغة الهندية لكنني أصدق أفلامهم بأن البطل لا يموت.

لم يبق عندي أحلام وهذه الليلة سأطلب من صديقي بأن لا يتزوج من رابعة كي لا أعود وحيداً.

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp