حائط من سراب


 

ليس للحائط ذنب نحن من رأيناه! سنداً!، نحن لا نستطيع إيقاف الأمواج لكننا نستطيع تعلم السباحة وإن جاءت متأخرة، تلك هي الحياة، ليست كلها رائعة، ولاهي مفصلة على قياس أحلامنا، ولا هي دوماً كما نتمناها، داخل كل منا أزهار، غرست بماء الحنين، شردتها الريح ومالت أغصانها نحو طيف الغائبين، مهما عاندتنا الحياة فلا بد أن نبتسم، على ضفاف تلك الابتسامة ستنتحر الأوجاع، إن أردنا ضوء القمر فعلينا بالسهر، ومن يرغب بالورد فليتحمل أشواكه ، ومن يسعى للحب لا يهرب من ذاته، أصعب الأشياء استرجاع الذكريات، ستختلط معك الأحلام، وتتداخل في أعماقك الصور، ما أقسى الجرح على الجرح، يرتعش الدمع في الأحداق ويتجدد منجل الرعب وتعود الكوابيس من جديد، وكيف لنا وقد فقدنا معظم الأغصان، معهم طارت من شرفتنا عصافير المحبة، وتحولت الخضرة إلى صفرة قاتمة، ولم يبق إلا هذا الحائط تلقي بكل جسدك عليه وترتكي بقوة وتميل برأسك على كتفه وأنت واثق من قوته، فجأة ترى نفسك في الفضاء تتقاذفك الرياح تلهو معك أشعة الشمس ويبللك المطر وحتى القمر تحجبه الغيوم، والحائط موجود أنت وحدك من تراه فهو سراب. 

هذه هي حياتنا سراب في سراب لا حقيقة إلا أنت وحب الأم، هذه هي الدنيا، فليس لك إلا أن تقف على قدميك وبثبات إياك أن تميل، أذكرك مجدداً الحائط من سراب.

تشعر أن العالم كله تخلى عنك، وبدا كقمر مسافر، دون ربان ولا ميناء، وسكن الصمت المكان فقط أنفاسك مازالت تلازمك، لا تنتظر فرحاً مؤجلاً، انتظرتها كثيراً وكلما عادت كانت مغطاة بالسراب، وأنت وحدك من تراه، لن نقلق نحن من لبس الأكفان وتعثرت خطواتنا على مر الزمان، وغرقنا بهذه الأقدار، أحلامنا الوردية تاهت في سراديب الظلام، واستوطن الصقيع في ضلوعنا وأطفأ وميض العيون، آلامنا تمتد من أعماق العمر لتطوق كل المسافات، لا تستجدي لا حائطاً ولا دخاناً فكلها سراب في سراب، بالرغم من أن شلال الحياة مستمر والمياه العذبة تملأ المكان، الشمس تشرق رغم الأحزان القمر لازال بدراً في منتصف السماء الألوان تتناثر من حولك والأمطار تتدحرج على خديك ولكن أنت من أصيب بالوجل وعمى الألوان مهما فتحت مقلتيك لن ترى الدنيا إلا سراباً في سراب، والأحبة بعاد لن يسمعوا دقات قلبك المتلاحقة كسمفونية الأحزان ولن يروا دمعتك المتحجرة ولا بحة صوتك المقهورة عبر المسافات، ألا تنعدم تلك المسافات كم هو مؤلم بعادهم القسري الذي فرضه علينا الحكام وأكملها معنا فيروس لعين وكأن ما كان ينقصنا إلا هو لتكتمل دائرة حزننا التي رسمها الأوغاد بحدود وهمية هم صنعوها بحقدهم وابتعادهم عن منطق الإنسان، لا يعلمون أن جسور الأمل لا تترابط إلا بالتواصل مع الأحبة والأهل، كل من أصبح في مكان ولكل مكان قوانينه العمياء التي تحكم على الإنسان أن يبقى بعيداً عن أخيه الإنسان ويقولون لنا بكل بساطة تأقلم في هذا المكان! سنطعمك ونسقيك ونخصص لك طبيب نفسي، آه.. لا يدرون أن كل أطباء العالم لا تغنيك عن لمسة حنان، يخلقون الأزمات ليوظفوا مهارات لا نحتاجها بوجود الأحبة والأمان، يضعونك في مأزق مصطنع ليجربوا عليك كل تجارب المختبرات، وكأننا فئران في مخابرهم التي أثبتت عجزها عند الضرورة والممات، فهم أعجز من يصنعوا كمامة ورقية لتحمي الأنفاس. 

كنا نظن أن حياتنا محكومة بيد الأذكياء وعند المحنة الأولى كان العالم كله سراباً في سراب.

 

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

 
 
Whatsapp