مشاهد اغتصاب والرقابة مشاركة


بكت خشبة المسرح السياسي السوري، منذ أول حالة اغتصاب طويلة الأمد، من قِبَلِ عِصابةِ الأسد، حتى نادت بأعلى صوتها قائلةً: أنقذوني، وصارت تضيق ذَرعاً من المشاهد التي تُكرَرُ في المواسم، التي يطلق عليها تجاوزاً "سياسية"، وما هي إلا مسرحية هزلية.. لكن المَشاهِدَ فيها قد تكون قاسيةً ومبكية.

كان من المفترض علينا القول: في 19 / 7 / 2020م، وكانت سورية على موعد مع استحقاق انتخابي شديد المنافسة، قدَّم المرشحون حينها برامج انتخابية عالية الدقة، كما تزامن معها حملات انتخابية هادفة، وتلاها نتائج شفافة لا تزييف فيها ولا تزوير، وإنَّ هذه الانتخابات كانت وطنية بامتياز، لا تَدَخُلَ للدول فيها، ولا لأجهزة المخابرات المحتلة، ومن ثمَّ نحكم على نتائج الأقوال بالأفعال.

لكن.. ومنذ اغتصاب خشبة المسرح السياسي السوري، وكلُ المشاهد التي تقدم عليها، مشاهد مبكية لكل إنسان وطني، يرى في بلده ممثلون لا يجيدون التمثيل، يضحك الغريب والقريب من غبائهم لا من خفة دمهم، يظن المتابع أن أقنعة مرعبة ومقرفة يرتدونها صُنعت بحرفية متناهية، وما يلبث كثيراً حتى يعلم أنها وجوههم الحقيقية لا قناع فوقها، لينطق لسان قلبه: شاهت الوجوه ...! الغريب في الأمر أن مثل هذه المسرحيات التي مازالت مستمرة، دفعت بعض المتابعين لرفض قرِفها وأراد تغيير المتحكم فيها وفي غيرها، وبعضهم غادر المسرح كاملاً، بل وكل ما يحيط به، ووصل بآخرين أن يختاروا (المريخ) كوطن بديل يهاجرون إليه، بل "يُهجرون لا يهاجرون" فالمشاهد التي عُرضت خلال التمثيليات وصلت لحد غير مقبول من أدنى وأسقط وأجرم مشاهد عرفها التاريخ المسرحي السياسي، بل الحقيقة تشهد بأنها أجرم مشاهد عرفتها الإنسانية جمعاء، ومن الحقائق أن الرقابة الدولية مشاركة في هذه الجرائم.

"مجلس الشعب" آخر تلك المسرحيات ولن يكون آخرها، الذي لم يعد له من اسمه نصيب في ظل حكم الأسد، بل التوصيف الدقيق بات "مجلس الأسد"، أو "مجلس التصفيق" تحت رعاية الأسد الابن، تحضر فيه روح الأسد الأب، لتتنزل عليه لعائن دماء الشهداء، الذين قضى عليهم (الابن والأب) لإمتاع ساديتهم مع من أيّدهما أو ناصرهما.

الشعب غائب.. لم يتم استبدال الممثلين، بل تم صناعة مقلدين على خشبة المسرح، منبطحين فوق جثث ارتقت، وجراح مازال نزيفها مستمراً، يرددون كالببغاء ما يقوله القائد كذباً وبهتاناً: (عقوبات وكورونا جعلت من نسبة المشاركة ضئيلة)، لا الرفض من المؤيد المصنوع على مدى سنوات لسياسة القتل بأنواعه، ولا الشعب الحقيقي الغائب والمغيب قسراً، كالمعتقل خلف القضبان، منفياً خارج حدود ساحة السجن الكبير، بعيداً عن الجلّاد، أو غيرهم ممن قضوا في المعتقل الكبير وشبيهه المحدود.

المجلس مغتصب.. ليس له ولا لأبيه بل هو "برلمان" تم اغتصابه كما جميع مؤسسات الدولة، منذ أن قدم البعث السوري إلى السلطة، ومن أول مسرحية مؤلمة بعد انقلابه، بدى قانون الطوارئ العام الذي لم ينته، تلته أحكام جائرة، ومعه مسرحيات أدخلت المتابع في ظلمة قاهرة، ظلم لا حدود له، عابر للقارات، مستهدف لجميع من أراد الحرية، وسعى لها سعيها، واجهها "البعث والأسد" بقوانين وأحكام ومؤسسات بوليسية، لم تشهدها سورية من قبل، حتى في فترة الاحتلالات التي تعرضت لها من قِبل الأجنبي.

عن أي انتخابات نتحدث اليوم، روسية أم إيرانية أم سورية!، التنافس والهيمنة واضحة، عملاء لا يخفون عمالتهم، ولا مجرمون يخفون آثار إجرامهم، بل جعلوها لهم عضداً، ليشتد أزرهم بما فعلوا، بغية دراهم معدودة، أو تنفيذًا لسياسة غادرة محتلة.. ولكن لا يدرون متى ينتهي دورهم فينتهون، أو يأمرهم قائدهم بالمغادرة فيغادرون.

أربع سنوات ستكون هذه الدمى المختارة مسبقاً، "تطبل وتزمر" كما يقول أحد هذه الدمى في مقطع سابق، فالتطبيل والتزمير كما يدعي مهماً، وآخر يرى أن سورية قليلة على الأسد، وما هو قادم في المشاهد بات مكرراً، وما هو سابق، نستدل به، بشعور يجعلنا "نألم" على مجلس مغتصب ودولة تحولت إلى مزرعة، يحكمها من قال عنه الرئيس الأميركي يوماً أنه "حيوان".

سورية كانت حافلة بالمشاهد السياسية قبل 1963م، مرت بتجارب عديدة (احتلال، استقلال، انقلابات، حرية، ديمقراطية، استقرار، حركات حزبية، منافسات شريفة، وحدة مع دولة عربية) كل ذلك يقدر بقدره، له ما له وعليه ما عليه، لكن المؤسف والمحزن اليوم، تلك المسرحية التي ماتزال مستمرة، لأربع لسنوات قادمة لتُظهر ألماً بمشهد جديد، ما لم تُنقَذُ خشبة المسرح المهترئة.

 

فاتح حبابه

كاتب وإعلامي

Whatsapp