أعرف طفلاً


 

أعرف طفلاً

أخَافَ أشباح الليل 

قتلَ الوهم 

وصَنعَ من حاجته سلماً

كي يبنيّ بيتاً 

ليس فيه أب ينام في ظله مطمئن 

ولا أم بأنفاسها تدفئه 

لا يملك فرناً يطهو فيه لحم العيد 

كره طعم اللحم حين فاحت رائحة شواء الأجساد 

في بيوت جيرانه منذ طيارة عابرة.. 

يفطرُ كل صباح 

حبة طماطم وكسرة خبز 

وجرعة ماء يسقيها 

لشجر الحنظل النابت عند باب بيته 

أعرف طفلاً

كلما عوا البرد في جوانب بيتهم المُهدم 

تغدو جوانحه مجمراً مشتعلاً  

يدثر بها أكتاف أخويه الصغيرين 

كأنه لم يسمع يوماً عن إخوة يوسف 

أو الإخوة (كرامازوف)..  

وكل صباح يذبل غصن من شجرة الصبار في دارهم 

لينبت في قلبه شوكة عوضاً عنها.. 

أعرف طفلاً 

يقضي نهاره في ساحات المخيم مع أقرانه

يلعبون لعبة الحرب والسلام 

بسيوف خشبية يحاربون بها الهواء 

تنتهي عند المغيب دون أن ينتصر أحد 

يعودون جميعهم للخيم مجموعات من القتلى والأسرى والمنهكين المحترقين بظلال الحرب.. 

يغفو متعباً على صوت والدته 

يحلم بالسلام لوطن لم يعرفه أبداً.. 

 بينما هي تلعن اليوم الذي خرجت فيه من الوطن 

أليس التدثر بتراب الوطن أخف ألماً من هذا الشتات؟

أعرف طفلاً 

خطفته ذات مساء 

خفافيش الليل وغرابيب الظلام 

مازالت والدته 

عند مفرق الألم كل صباح 

تمشط قلبها بضحكات له وقبلات.. 

تركها قبل أن يخرج.. 

وتسأل عنه عيون الرفاق الخائفة المرتعبة 

من السواد 

رفاقه الذين شاخت طفولتهم 

بأوجاعهم وآمالهم المسروقة 

تسألهم 

إن كانوا قد نسوه في أحلامهم وهم يلعبون هناك 

فضّل الطريق ولم يعد بعدها أبداً.. 

كل هؤلاء عرفتهم هناك 

حيث سقطت خيوط الشمس براميل 

محشوة بالموت..

وحيث انشق صدر الأرض عن جبل 

من الظلم والظلام..

 

 

جنان الحسن

كاتبة وشاعرة سورية

Whatsapp