كيف نستثمر تناقضات الخارج لصالح قضيتنا السورية؟


 

تحطيم المجتمعات العربية وكسر إرادة شعوبها كانت الاستراتيجية الأميركية التي ما تزال سارية منذ ما قبل 1961، كي لا يًعاد تشكيل رأي عام عربي شامل يشكل حاضنة حقيقية للعرب كما مثلته مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

لطالما لم تكسب أميركا كلَ الشعوب العربية لصالح ربيبتها الصهيونية في فلسطين فسيستمر تنفيذ تلكم الاستراتيجية المُحدّثة بما سمي مشروع الشرق الأوسط الجديد عبر الفوضى الخلاقة، مع تكريسها للاستبداد ورموزه ممثلة بالأنظمة العربية المجرمة، ذلك بات أمراً لا يخفى على كلَ ذي عينين كعمل حثيث على كسر أوطان وشعوب العرب.

كما أن جميع الممارسات ضد الربيع الديمقراطي العربي بعد 2011 تؤكد ذلك، ولم تخرج عما خطط له الحلف "الأميركي الروسي الإيراني الصهيوني" المشبوه إياه، ونُفذ بشكل أشد قسوة وخطورة في سورية بعد إحكام السيطرة على العراق بمشاركة نظم عربجية خيانية مازالت ممارساتها ماثلة بالأذهان.

ألم تتم السيطرة الروسية على النظام الأسدي وتدمير الشعب السوري، بالتوافق مع أميركا وبدلاً عنها وبتمويل من بعض دول الخليج؟ وهل تستطيع موسكو لوحدها استثمار ذلك لفرض حل يتكافأ مع استراتيجيتها الخاصة للانفراد بسورية والانتشار منها إلى العالم العربي؟ وهل يتم ذلك بخلاف الرغبة الأميركية؟ وهل حسّنَ احتلال سورية وضع روسيا الدولي الذي كان تحسينه من أهم أهداف مغامرة بوتين السورية التي أريد بها أيضاً الضغط على واشنطن، وإجبارها على بناء علاقة تتسم بالندّية مع أميركا؟ وهل تم تلويث الربيع العربي، بجائحة الارتداد والظلام المغايرة لهدفه الديمقراطي، بخلاف الرغبة الأميركية؟ وأين يقبع الدور الإيراني الصهيوني المشترك المغطى أميركياً- منذ 60 عاماً- في كل ذلك؟

لم يتحقق الهدف الروسي المنشود بعد، ولذلك يبدو أن موسكو قرّرت استبدال الورقة السورية الضعيفة بورقة إيران القوية، المهمة بالنسبة لأميركا وإسرائيل، وصولاً إلى ما رسمه لعلاقاته مع الغرب عامة، وواشنطن خاصة، من أهداف.

إن الموقف الجديد لنظام الملالي في طهران من الصراعات في المنطقة عامة، وفي سورية خاصة، لم يكن نتيجة سياسة عقلانية، بل بسبب عجزه في فرض حضوره السياسي أو الميداني خوفاً على سلامة واستقرار نظامهم السياسي في مرحلة انتقالية قد يؤدي سوء التقدير لدخول إيران في متاهات ومسالك وعرة تُسرع بزوال نظامها المتهالك أصلاً. 

وإنه بعد خمسة أعوام من الاحتلال الروسي لسورية، تبدو موسكو عاجزةً عن تحويل أي إنجاز عسكري إلى حل سياسي يحقق أهدافها السورية والعربية والدولية؛ ففي هذا الظرف، أقلقتها الاتفاقية العسكرية التي عقدها نظام آل أسد مع إيران أوائل تموز الماضي، رأت فيها محاولةً من الطرفين للإفلات من سيطرتها على السلطة وعلى رأسها المجرم شخصياً، فردّت عليها بتعيين ممثل شخصي لبوتين، بصفة مندوبٍ سامٍ، مهمته الإشراف المباشر على الرئاسة، وتعيين رئيس أركان روسي لما يسمى بالجيش السوري، ومحافظين روس أيضاً في مختلف مناطق سورية، بينما عقد نائب رئيس وزراء روسيا اتفاقاتٍ اقتصادية بالعشرات، لإحكام قبضة روسيا على ثروات البلاد ومواردها الوطنية، في نقلةٍ نوعيةٍ لفصل وجود موسكو في سورية عن آل أسد، واستكمال سيطرتهم على سلطته المتوهمة، ما دام فشلهم في الانفراد بالسيطرة عليها يمكن أن يزجّهم في مآزق تضعفهم، بما سيترتب على ذلك من نتائج خطيرة في موسكو؛ إذاً بعد خمسة أعوام من احتلال سورية، تجد روسيا نفسها أمام نجاحٍ عسكريٍّ نسبيٍّ، وفشل سياسي مكمّل، قيّد قدرتها على الانفراد بسورية، وفرض حلها أيضاً، لذلك، سيكون خيارها تجميد السعي إلى أي حل، وتشديد قبضتها على مستعمرتها هذه ما أمكن ضمن نفس التوجه الأميركي.

لذلك تشتد سياسة التجويع أكثر مع تعميم سياسة القتل والتخلص من كل من ساهم أو قد يساهم بكشف خطط الروس والإيرانيين بما يتعلق بما سمي زوراً بالمصالحات بشكل خاص، يضاف له تغذية جميع النعرات التي تعزز تنفيذ سياستها بما يجعل من فرض انتخاب المجرم القاتل مرة جديدة رئيساً منفذاً لما يريدوا مع اسرائيل بعد صمته وخرسه مع حلفه الممانع على مسار التطبيع الجاري على قدم وساق، بعكس كل ما تشدقوا به تاريخياً، وكل ذلك بهف لجم الحراك الشعبي وتحجيم الثورة.

وما كان لكل ذلك أن يحصل بدون التواطؤ الدولي العام ضد كل الشعوب العربية وخاصة ضد شعبنا السوري وثورته مع غياب الإرادة الموحدة لقوى المعارضة، وهو ما تجلى بتهديدٍ واضح من رئيس وزراء الكيان الصهيوني لأحد الرموز الأوربية بأنهم سيقطعون كل يدٍ تمتد لمساعدة الثورة السورية والقضاء على النظام الفاشي بدمشق ممثلاً برأسه.

ثم، ألا يرى الروس وكل مسؤولي النظام المجرم طوابير الجوع بمناطقهم؟ وهل أزمة الخبز وسياسة الركوع والتجويع غير المسبوقة بمناطق نظام الطغمة الطائفية بعيدة عن نظر ميليشياتها الطائفية- إيرانية وغير إيرانية- كسباً للوقت ونهباً لما بقي وتوفر من أموال من جيوب قاطني تلك المناطق؟ وليس فقط لاستكمال التجسس على من بقي من المواطنين وملء بياناتهم وتفريغها من أجهزة الهواتف والحواسب في قواعد بيانات شاملة في شركاتهم الإرهابية الناهبة والمخربة العميلة بإشراف مباشر من رأس الإجرام!

تكتمل المأساة لأبناء شعبنا في مناطق سيطرة نظام القتل الأسدي مع استمرار جائحة كورونا وبشكلٍ أشد بوقتٍ يوهمنا مجلس الأمن بأنه سيناقش التهرب الأسدي من تنفيذ اتفاقية التخلص من السلاح الكيماوي، ضمن خلاف وزعبرة روسية وأميركية مشتركة لذر الرماد بالعيون، وتغييب المعتقلين وقضيتهم كمدخل أولي لأي حل سياسي، لإطالة معاناتنا وإدارة مناطق النفوذ بأربع أرجاء سورية.

كل هذه التناقضات الداخلية والخارجية على الأرض السورية يمكن توظيفها لصالح قضيتنا وثورتنا في حال صدقت النوايا وكان للمعارضة كيان موحد ببرنامج موحد، وهذا ما لم يحصل حتى الآن للأسف.

من الواجب الاسراع بذلك الحل الوطني من توحيد كافة الجهود الوطنية الصادقة للإفادة من مؤشرات الهشاشة المتسارعة لنظام الإجرام الأسدي في ظل التحولات الإقليمية والتحديات المحلية المتنامية.

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب سوري

Whatsapp