أين التقدم وفكرة التقدم في الثورة السورية؟


 

عُقدت قمة العُـلا الخليجية وفق رغبة (آل كوشنير) تماماً كما كانت مقاطعة قطر وفق نفس الرغبة بمناسبة أثيرة على الصهاينة عرباً وغير عرب، هذه المناسبة هي الذكرى الخمسين للهزيمة العربية الأليمة في الخامس من حزيران / يونيو 2017، جاء ذلك بعد فشل الصفقة الاقتصادية ببعدها السياسي مع قطر وبعد مناوشاتهم على "الصيدة" السورية، لتكون الصفقة بعد ذلك مع السعودية لإخراج "جاريد كوشنير" من ضائقته المالية، فهو المعروف لأسرة صهيونية وزوجٌ لإيفانكا بنت ترامب التي تصهينت بعد اعتناقها اليهودية كي يقبل جاريد الزواج بها على يد أحد حاخامات نيويورك في عام 2009.

فقبل الأزمة الخليجية وإجراءاتها وتبعات حصار قطر كانت ثورتنا تدفع ضريبة مصالحهم، وبعد الحصار جاءت التبعات أشد، وصولاً للحال الذي هي عليه الآن؛ وكلنا يذكر بيانات "تلرسون" وزير الخارجية الأميركي حينها- قبل استقالته احتجاجاً- الذي أكد فيها على إضرار هذه الإجراءات بالمصالح الأميركية التجارية وكذلك ترتيباتها الأمنية بالمنطقة وتحرك قواتها العسكرية، وجاءت نتائج قمتهم ليوم واحد بإعلان وبيان أبقى على مجمل الخلافات عدا مراسم اللقاء كي تثبت أميركا أنها صاحبة القرار والمتحكم بشيوخ وإمارات النفط إضافة لمصر وباقي جوقة المطبعين مع العدو التاريخي إرضاءً للشعبوية الأميركية التي بانت وظهرت على حقيقتها أخيراً بحصار الكونغرس ومجلسيه التشريعيين.

فهل كانت تلك المنعكسات،الدولية والعربية، كلها لتؤثر بالشكل الذي وصلت إليه لو توفرت لدى الثورة السورية قيادة وطنية شرعية وحقيقية تمثل الشعب السوري الثائر؟ ألم تكن قيادات الصدفة تتعامل من خلال مصالح شخصية وأجندات مدفوعة الأجر بعيداً عن أهداف الثورة ومصالح جماهيرها؟ أليس هو الذي سمح لكل من هب ودب، عربياً واقليمياً ودولياً، بالتدخل بشؤون الشعب السوري تنفيذاً لاتفاقات مسبقة مع طغمة تنظيم الأسد ذو الرعاية الصهيونية أصلاً؟

إن الثورة ليست غاية في حدِّ ذاتها، لكن التقدم هو الهدف والغاية؛ تقدم الإنسان الفرد ومن ثم الوطن، أي حقوق الإنسان وحريته باعتبارها لبنة أساسية في بناء وطن متحرر ومندمج بكل ما للكلمة من معنى، فلا ثورة بلا تقدم يكون محوره الإنسان وغايته وطن يحتمي فيه الإنسان، وإذا كان عكس التقدم هو التراجع والتقهقر، فإن التقدم يفترض ذهاباً إلى الأمام، تغيراً نحو الأرقى، وهو إن كان يشير لمضمون إيجابي أولي، فلا يعني هذا أن نحوِّله لصنمٍ يعبد، فالتقدم خارج مساحة المقدس، وهو موضع سؤال ونقد ومراجعة دائماً وعلى طول الخط، وليس مدخلاً لشراء الذمم والضمائر وخدمة أجندات، لا صلة لها بمصالح الشعب السوري، كما حصل مع مكونات معارضة الصدفة في الثورة السورية.

فعندما نقرأ البيانات السياسية للقوى والأحزاب السورية، سنكتشف ندرة وجود الموقف السياسي المتوازن الذي يتوافق مع العقل، ويبتعد عن سياسة الكيل بمكيالين، ويمتاز ببعد النظر السياسي أيضاً، وبالمسؤولية والرزانة أخيراً، هذا إن لم يكن المطلوب فعلاً أكثر من ذلك، بخاصة لجهة حضور الروح الوطنية السورية جلية، ومن دون تردّد، فمعظم البيانات السياسية مصابة بالزلل والعوار، لأنها تقارب قضايا وحوادث واحدة متشابهة بمواقف سياسية مختلفة ومتضاربة كتضارب الممولين وأصحاب النفوذ.

من السهل جداً اكتشاف التناقضات في مواقف القوى السياسية والمثقفين ورؤاها، ولا أسهل من اكتشاف سياسة الكيل بألف مكيال لدى معظمهم، وكثيرون يجدون أنفسهم غير معنيين بتحقيق الانسجام أو التكامل فيما بين الرؤى والمواقف المتنوعة والعديدة، هذا يحدث فعلاً في حيز تقييم البشر فتنتج الكوارث، وربما تختزل الفرد إلى أحد أبعاده بالانتماء الطائفي أو الاثني، أو تختزله في حدث أو لحظة ما، أو في موقف إيجابي أو خاطئ، ولا ترى مسار الفرد في كليته، والبعض إذا رأى نقطة إيجابية أزاح بصره عنها، وإذا سمع بسيئة التقطها ونشرها سريعاً، ولذلك تكون كل التقييمات والأحكام ضالّة أو مضلِّلة.

لطالما كانت فكرة التقدم غائبة عن الفكر السياسي للثورة السورية كما تجلى طيلة العشرية الماضية عبر النخب التي تصدت لقيادة الطور "الثوري"، فقد بدا أنه لم يكن ثوريًا إلا بالشكل اللفظي وبلا فكرٍ سياسي حامل له؛ الأمر الذي يبين كيف وصل بنا الحال لما نحن عليه الآن! فضلاً عن حالة التخشب والتخلف التي عمل نظام الطغمة الفاشي على تكريسها بعكس ما كان يعلن دوماً!

لا توجد ثورة تستحق هذا الاسم بمعزل عن فكرة التقدم، إذ تتحول الثورة إلى مجرد هدف بذاتها؛ وليس هناك معنى للتقدم سورياً وعربياً بدون شرطه، وحدة الموقف والأداء وطنياً رغم عدم توفر البعد العربي الداعم له، وأن الموجه الحقيقي للثورة هو الفكر والتفكير السياسي الذي ما زال يُنّظر إليه بعين الازدراء والاحتقار تحت مسميات ومقولات مختلفة. 

فهل من الممكن بناء طبقة سياسية وطنية سورية جامعة،دون إبطاء،تمتلك المشروعية الوطنية والأخلاقية والسياسية؟ إن الزمن والمصالح لا ترحم ودول الاحتلالات تحث الخطى بالترويج للمجرم القاتل وتثبيت مواقعها! فهل يمكن تحقيق ذلك دون الإنسان القادر والفاعل، الواعي والمدرك لما آلت إليه أحوالنا من فساد ومحسوبية وغياب حكم القانون وانعدام الاهتمام بالتنمية وتوفير فرص العمل وفي الاستثمار في الصناعة والعلم والتقنية، واستمراء التبعية للحُماة الخارجيين، وانتشار الفوضى والاقتتال ومعه تنامي الجريمة وعمليات الاختطاف والاغتيالات السياسية والمواجهات المتواترة بين مليشيات طامحة للسلطة فقط ولمواقع السيطرة بأربع أرجاء سورية؟

الحل يكمن في إعادة بناء الإنسان السوري الذي هو هدف الثورة ودولة المواطنة والمدنية والتنمية الإنسانية والتقدّم التقني والعلمي والاقتصادي، لا في تحطيمه لصالح ميليشيا مرتهنة لاحتلالات روسية وإيرانية وأميركية، وبالتالي تحطيم مرتكزات الدولة ككل كما فعل نظام الطغمة؛ إنه الدرس الأهم الذي قدّمته لنا في العقدين الأخيرين التجربة العراقية الغنية، بعدما اكتشفت الجماعات الأهلية، المذهبية والمناطقية والقومية، كيف جُرّدت الكونفدرالية، في بلد يفتقر لطبقة سياسية حقيقية ووطنية، من مضمونها، وأصبحت مدخلاً لشرعنة الإمارات العائلية والشخصية ونهب الدولة وتحكم المليشيات الطائفية بالشأن العام وتعميم الفساد وتكريس التبعية تجاه قوى الاحتلال الأجنبية والتسليم للولاءات الخارجية، على حساب تعزيز روح الوطنية والمواطنة والكرامة الشخصية والعدالة وحكم القانون، والحرية والديمقراطية الحقة والحقيقية.

 

 

عبد الباسط حمودة

 كاتب سوري

Whatsapp