عشر سنوات على انطلاق الثورة.. ولا سلام في الأفق


 

بعد 41 عاماً على انطلاق حركة التغيير الوطني الديمقراطي، المغدورة، في سورية منتصف آذار/ مارس 1980، ومع نهاية عشرية الثورة السورية التي انطلقت في 15 آذار/ مارس 2011، مازال المثقفون والناشطون السوريون من جميع الاتجاهات السياسية والفكرية، منشغلون في البحث عن مخرج من الحال الكارثية التي آلت إليها بلادهم بعد هذه السنوات الدامية بفعل فاشية نظام الشبيحة وإجرامه المفرط بمواجهة الهبّة الشعبية، التي انطلقت ضده بعد تأثر فتيان درعا بانطلاق الربيع العربي من تونس، حين خطوا بأناملهم مقولتهم الخالدة «إجاك الدور يا دكتور»؛ المسألة ليست سهلة، والمخرج غير واضح، والكلّ يتلمس طريقه في العتمة، من دون نتيجة، خصوصاً أن قدرة السوريين على التأثير في مستقبل بلادهم تتقلص باستمرار، مع تكرّس الوجود الأجنبي فيها، وبلوغ جمهور السوريين «نظاماً ومعارضة» حافّة الانهيار.

ففي نهاية عام 2011، بدا أن تنظيم الأسد ونظامه قاب قوسين من السقوط وسط ثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة عدّة حكمت بلادها لعقودٍ بقبضةٍ حديدية، وبعد عشر سنوات، ما يزال نظامه المجرم بمكانه نتيجةً لوقوف عدد هائل من القوى الاقليمية والدولية لمنع سقوطه، تحت ذرائع شتى وكلها واهية ولا تهدف إلا استمراره كنظام وظيفي خادم لأميركا ومن خلفها للصهيونية، فهو لم يوفّر أي فرصة حقيقية لأي مصالحة مع الشعب كما كان دوماً ومنذ ستون عاماً، فاشياً واستبدادياً متسلطاً وفوق ذلك ومعه نظاماً مجرماً تستهويه الأيدي القذرة الدولية، وهو يمارس اليوم سيادةً محدودة على أرضٍ محدودة باتت فريسة لقوى أجنبية متناحرة لطالما سخرته لخدمة أجنداتها.

لا أعتقد أن هناك خلاف حول أن بلدنا سورية باتت منذ السنة الثانية للثورة ساحة صراعٍ لقوى إقليمية ودولية لا تقيم وزناً لمصالحنا، ولا تأبه بمصيرنا، فهذا يجب أن نقرّ به جميعاً كخطوة أولى نحو الخروج من المأزق؛ فإيران لم تهرع لمساعدة نظام الشبيحة حباً فيه أو وفاءً له فقط، بل وجدت في الصراع فرصةً لاستكمال بناء قوس نفوذها الإقليمي، خصوصاً مع خروج الأميركيين من العراق عام 2011، وعندما يئست من ذلك، مع احتدام الصراع على سورية، اقتصر اهتمامها في السيطرة على «ممر»، معبر، برّي، وإنشاء سلطات موازية، تؤمن وصولها إلى حليفها الإجرامي في لبنان حزب الله، فسورية بالنسبة لإيران، ليست سوى خط دفاع، أو ساحة صراع، تمنعُ عبرها انتقال المعركة إلى طهران وقم وأصفهان، وهي من ثم غير معنية بدمارها أو تقسيمها، أو حتى بفناء أهلها «نظاماً ومعارضة» لا فرق، ما دامت المعركة تظل بعيدة عن أرضها؛ ودول الخليج العربي كلها أيضاً، لم تكن يوماً مهتمةً بمساعدة الثورة السورية في الوصول إلى نظام ديمقراطي، يحقق للسوريين تطلعاتهم في حياة حرّة كريمة، بل وجدت في سورية ساحة صراع وفق «الخلطة» الأميركية المزعومة لاستنزاف إيران وكسر قوس نفوذها الذي بات يهدّد الخليج بعد انهيار العراق؛ وكأننا لا نعرف من مكن إيران بالعراق! ومن تحالف مع إيران بأفغانستان! ومن سمح لها ولغيرها بالتدخل السافر في سورية!؟ إنه أمرٌ ينطبق على الجميع، كلٌّ يطمح إلى تحقيق مصالحه في بلدٍ يحظى بأهمية استراتيجية، لا تسمح بتركه للآخرين.

إذاً، تجثم على الأرض السورية اليوم عدة جيوش أجنبية وتوابعها، تهدّد وحدة سورية وكيانها السياسي، مع ظهور توجّه أميركي للاعتراف بالإدارة الكردية في مناطق شرق الفرات، إضافة لكانتونات ميليشياوية بالشمال، واستماتة إيرانية للاحتفاظ بالممر الواصل بين البوكمال ولبنان، وتوافق روسي- إسرائيلي على منطقة عازلة في الجنوب تمنع الوجود الإيراني على الحدود، وسيطرة روسية على الساحل بموانئه وحصّة سورية فيه من نفط شرق المتوسط وغـازه.

لقد صرف السوريون السنوات العشر الأخيرة على رؤيتهم لسورية ومستقبلها، أما وقد باتت سورية نفسها مهدّدة بوجودها، فقد صار لزاماً الارتقاء لمستوى الخطر الذي يحيق بها، والذي يتحمّل النظام المجرم في دمشق المسؤولية أكثر من غيره والأكبر، إذ يبقى في موقع أفضل للمبادرة ومد اليد للتوصل إلى حلٍّ يسمح بجمع السوريين حول صيغة إنقاذ، بعيداً عن الأجندات الخارجية والمصالح الضيقة؛ أما العناد والاستمرار في ادّعاء النصر فلن يؤدّيا إلا إلى انهيارٍ كامل للبلد الذي يصرّ على حكمه، فأيّ نصرٍ هذا ونحو نصف الأراضي السورية، بما فيها من ثروات، خارج السيطرة؟ وأي نصرٍ ذاك، وهو عاجز عن إطعام السوريين تحت حكمه، دع جانباً توفير الخدمات لهم؟ وماذا عن المليشيات والمرتزقة التي تعيث نهباً وفساداً في سورية؟؛ والمعارضة أيضاً مطالبة بأن تتحلّى بالشجاعة، وتبدأ تبنّي خطاب قد لا يروق لجمهورها، فالقيادة الحقيقية لا تكون في إسماع الناس دائماً ما يحبون، بل في إسماعهم أحياناً ما لا يحبون، من المهم أن تعلن المعارضة، في هذه المرحلة، رفضها سياسة تجويع السوريين في مناطق النظام، كما رفضت سياسته في تجويع السوريين بمناطقها، ولنستعيد فعـلاً، لا قـولاً، شعـار «الشعب السوري واحد» الذي أطلقته الثورة منذ أيامها الأولى.

فهل هناك نقاط توافق جوهرية يمكن الاقرار بها بين النظام والمعارضة؟ وهل يمكن أن تشكل أرضية لحوار حقيقي نحو الحل؟ وما هي هذه النقاط؟؛ إن من أهم النقاط هي وحدة الأراضي السورية، ورفض أي نزعات انفصالية، والتأكيد على سيادة سورية واستقلالها، وخروج كل القوات الأجنبية من جيوش ومليشيات منها، ورفض تحويل سورية إلى أرض جهاد أو ساحة صراع لأيٍّ كان، ورفض سياسات المحاور والانخراط فيها، واعتبار الجولان أرضاً محتلة لا مساومة عليها، وفي حال لم يتم البناء على هذه النقاط، فسوف يتحمّل نظام الطغمة المسؤوليةً التاريخية عن انهيار البلد وتفكّكها، وإذا لم تتجاوب المعارضة مع هذه النقاط فسوف «نبكي كالنساء وطناً لم نحافظ عليه كالرجال».

فما تزال سورية موجودة كمساحة جغرافية و«كل شيءٍ مباح»، حيث يحاول اللاعبون العالميون والإقليميون تسوية نزاعاتهم على الأراضي السورية،  فمن أجل شعبنا السوري وأمن المنطقة ككل، يجب أن يتغير ذلك طالما ظلت العديد من ديناميات الصراع وسياسات الجهات الحكومية الرئيسية تجاه سورية راكدة خلال الجزء الأكبر من هذا العقد، خاصة مع تولي بايدن كإدارة أميركية ثالثة زمام الأمور في حساب الصراع بسورية، يتضح أن الشيء الوحيد الذي ظل ثابتاً عبر الإدارات الثلاث هو عدم وجود سياسة أميركية قائمة بذاتها تجاه سورية سوى تعفنها- بزعم أن مشاكل سورية فريدة من نوعها- وهي الخبيرة بها وبترتيباتها، خاصة لجهة دينامياتها الاجتماعية السياسية الداخلية؛ ألا تدعو الحاجة لتغيير هذه السياسة الأميركية من أجل سورية؟ وما هو دور الشعب السوري وطلائعه الثقافية والسياسية- وهو الأبرز- في ذلك، كي نتمكن من حشد الإرادة السياسية والدبلوماسية الكافية لبناء سياسة استباقية تعالج فعلياً الأسباب الجذرية للصراع في سورية وتؤدي لانتقال السلطة بشكلٍ كامل لشعبٍ قدم كل هذه الدماء باعتباره صاحبها الحقيقي؟

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب سوري

Whatsapp