الأوبئة تختبر قدرة الذكاء الاصطناعي


 

 يعد الذكاء الاصطناعي أحد أكثر التقنيات الجديدة شيوعًا وظهورًا، إذ حظي خلال السنوات الأخيرة بالاهتمام الأبرز في عالم التقنية، وتنوعت مجالات استخدامه سواء اقتصادياً، أو عسكرياً، أو صحياً، أو تعليمياً، حيث عمل  الذكاء الاصطناعي على تغيير نمط الحياة الانسانية، كما ساهم في حل العديد من المشكلات المعقدة، ومنها أزمة كورونا، فقد تم استخدام  الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، مما سمح للبشر باكتساب رؤى غير مسبوقة في الكشف المبكر عن الأمراض، واكتشاف الأدوية، والتشخيص ومن هذا المنطلق يتبادر إلينا هذا السؤال:

  •   ما مدى فعالية الذكاء الاصطناعي إثناء تفشي الأوبئة على غرار وباء كورونا؟ 

إن المتتبع بعد عام 2000 سيجد أن الأوبئة تختبر قدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل مع الأحداث المتطرفة، والأزمات المعقدة ذات الانتشار والتأثير العالي على البشر، لأن الأدوار المختلفة التي يفترض أن  يلعبها الذكاء الاصطناعي أثناء الأوبئة هي الإنذار المبكر والتنبيهات، والتنبؤ بكشف تفشي الأمراض، ورصد الأمراض في الوقت الحقيقي في جميع أنحاء العالم، ثم تحليل وتصور اتجاهات الانتشار، والتنبؤ بمعدل واتجاه العدوى، واتخاذ القرارات السريعة لتحديد العلاجات الفعالة ودراسة وتحليل مسببات الأمراض واكتشاف الأدوية، وهذا لن  يتم  إلا باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي  يتضمن حاليًا حسب  مجموعة من التعاريف والدراسات على غرار دراسة (سيو 2020 ):

  •  معالجة اللغة الطبيعية وتطبيقات رؤية الكمبيوتر والتعلم الآلي، بالإضافة إلى التعرف والتنبؤ باستخدام النماذج القائمة على البيانات الضخمة.

 وتُستخدم وظائف الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في تتبع حالات الوباء والتنبؤ بها وتشخيص الأمراض وتحديد جهات الاتصال وتحسين استراتيجيات الوقاية من الجوائح وتطوير اللقاحات والأدوية، ففي (ووهان) الصينية رأينا استخدام  الذكاء الاصطناعي كأداة للتمييز بين الكورونا (COVID-19) وأنواع أخرى من الالتهاب الرئوي في غضون ثوانٍ من خلال تحليل صور مسح الصدر المقطعي المحوسب للمرضى ما يبرز  إمكانات كبيرة لتخفيف الضغط عن أطباء الأشعة في الخطوط الأمامية، وتحسين التشخيص المبكر والعزل والعلاج، وبالتالي المساهمة في السيطرة على الوباء.

    كما تم تصميم نموذج التعلم العميق للكشف عن حالات الكورونا الإيجابية من الأشعة السينية للصدر وتسريع العلاج لمن هم في أمس الحاجة إليه، بالمقابل تم نشر العديد من أنظمة كاميرات الرؤية الحاسوبية القائمة على الذكاء الاصطناعي في الصين، وفي جميع أنحاء العالم لفحص الحشود بحثًا عن أعراض كورونا ومراقبة الأشخاص أثناء عمليات  الإغلاق، من جهة تم نشر الذكاء الاصطناعي للكشف عن العلامات المرئية للالتهاب الرئوي على الصور المأخوذة من فحوصات الرئة المقطعية، وعلى الرغم من أن تقنية الذكاء الاصطناعي وحدها لا يمكنها تأكيد حالات الكورونا ، إلا أنها تساعد في تقليل العبء على مقدمي الرعاية الصحية وتوجيه الموارد المحدودة من خلال تحديد الحالات المحتملة.

    ومن المثير للاهتمام، أن روبوتات الخدمة الذاتية والروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي استخدمت  في مستشفيات (ووهان)،  وبالتالي  على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لم يتطور بوتيرة تمكنه من  التغلب على الوباء  إلا أن دوره تزايد بشكل كبير، فخلال جائحة كورونا، رأينا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهما  في السيطرة على الوباء كأداة للإشراف على المحتوى وفي خدمة التنبؤ بالجائحة، وكأداة للتنقيب عن البيانات العلمية، ولتشخيص المرضى، فحتى قبل أن يصبح الكورونا جزءًا من عالمنا اليومي، واجهت المنصات العلمية مشكلات خطيرة في أتمتة أدوات الاستماع وتعديل المحتوى بشكل صحيح، وفي نهاية المطاف، كافحت هذه المنصات لمواكبة التدفق الهائل للمحتوى المنشور والإعلانات الموضوعة وتحميلها كل يوم وتتطلب الفصل البشري في الشكاوى.

ومع انتشار الوباء على مستوى العالم يلجأ الباحثون إلى الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على استخراج البيانات بشكل أفضل من أجل الحصول على رؤى حول فيروس كورونا الجديد من خلال إيجاد اتصالات أكثر دقة عبر المزيد من البيانات.

أما من زاوية عرض مدى ايجابيات هذه التقنيات، يمكن القول ليست كل استخدامات الذكاء الاصطناعي أثناء الجائحة خالية من الجدل، فهناك تقارير تفيد بأن تقنية التعرف على الوجه وتحديد الموقع الجغرافي تُستخدم في الصين لتتبع الأفراد الذين ربما يكونون على اتصال بأشخاص مصابين، كما تم أيضًا استخدام هذه الأدوات لتتبع مدى الامتثال لأوامر العزل الذاتي، والحجر الصحي، على الرغم من عدم اختيار الحكومات الديمقراطية لنشر هذه الأدوات على الرغم من مخاوف الخصوصية أم لا، كما لا يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الدماغ البشري والأطباء والممرضات والخبراء الطبيين عندما يتطلب تفشي المرض تدابير سريعة، ومع ذلك  نحن بحاجة إلى استكشاف وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي للوقاية من الأوبئة ومكافحتها مستقبلا.

في نهاية المطاف رغم كل هذه الاستخدامات والتطور لا يزال الذكاء الاصطناعي يواجه العديد من التحديات ولا يمكنه حل جميع المشكلات بالكامل،  خاصة في ظل الأوبئة، حيث كشف  الوباء عن عدد لا يحصى من أوجه القصور في بيانات الرعاية الصحية على مستوى العالم، بالإضافة إلى عدم مشاركة هذه البيانات، وعدم التوافق بين نهج علم البيانات في علم الأوبئة والطبيعة المعقدة للأوبئة مع درجة عالية من السلوك البشري وعدم اليقين الطبي الحيوي، لهذا للقضاء على الوباء، تحتاج الانسانية إلى استراتيجية استباقية تعمل على تحديد الحالات وتعقبها عن طريق الفحص الشامل المتسلسل المقترن بنمذجة بيانات متطورة تعتمد على العلم في الوقت الفعلي، بالإضافة إلى برنامج علاجي مبتكر يركز على الذكاء الاصطناعي وبالتالي تؤكد منظمة الصحة العالمية على أنه مثلما نعمل من أجل التآزر بين الطب السريري، والذكاء الاصطناعي، يجب أيضًا أن يكون هناك مثل هذا الاتحاد بين الصحة العالمية وعلم البيانات.

وهنا يطرح تساؤل آخر مفاده: كيف يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي دورًا قويًا في الإدارة المستقبلية للأوبئة؟

في الصدد يؤكد علماء الأوبئة البارزون على اتخاذ خطوات لمكافحة هذه الأزمة من حيث معرفة من هو المصاب بالمرض، ثم دراسة البيانات للتنبؤ بشكل موثوق بمن سيحصل عليها، واستخدام البيانات الموجودة لإعلام المورد وسلسلة التوريد على المدى القصير والطويل، فالعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تحظى باهتمام كبير في مكافحة (الكورونا) وبشكل عام يمكن للذكاء الاصطناعي الفعال إما تكرار ما يمكن أن يفعله البشر بشكل أسرع وأكثر اتساقًا أو يمكن لهذه الأنظمة القيام بأشياء يستطيع البشر فعلها. 

 

سامية بن يحي باتنة

كاتبة وباحثة من الجزائر


 

Whatsapp