ذاكرة الفن التشكيلي السوري


 

 

الفنّان التشكيلي

جاك وردة

 

على الرغم من تواضع تجربة الفنان جاك وردة وبساطتها إلا أنها تعتبر من أهم التجارب الفنية الرائدة. ولدت تجربة وردة في زمن صعب على التشكيليين السوريين عامة والنحاتين خاصة، لذا يعتبر الكثير من النقاد أعمال الفنان جاك وردة الضربة الأولى التي شقت طريق النحت السوري الحديث. أمضى وردة سنواته الأولى في مدينة ماردين في الفترة العثمانية، ثم انتقل إلى مدينة حلب ومنها إلى باريس لدراسة الفنون الجميلة عام 1930 وهو في السابعة عشرة من عمره، إلا أنه سرعان ما عاد بعد عامين إلى حلب لعدم استطاعته تغطية مصاريف الدراسة والعيش هناك، عمل في تلك الفترة مدرسا للفنون في أماكن عدة موليا اهتماماً خاصاً بالنحت الذي لم يكن شائعاً جداً في سوريا آنذاك. شارك في معرض الفنانين السوريين الأول الذي نظمته وزارة المعارف وحصد مع رفاقه المشاركين أكثر من جائزة. 

عين مدرسا في كلية الفنون الجميلة في دمشق بعد تأسيسها عام 1960، أقام في نفس الفترة أول معرض فني فردي في صالة المركز الثقافي العربي-بدمشق قدم من خلاله العديد من الأعمال النحتية مثل زوبعة الربيع. تعرض وردة لسيلٍ من الانتقادات تناولت أسلوبه وموضوعه الفني ليقرر بعدها الهجرة بحثا عن الاستقرار مصطحبا معه العديد من منحوتاته التي تعرّض معظمها للتلف أثناء نقلها بحرا إلى ألمانيا، انتقل إلى باريس بعد إقامة قصيرة في ألمانيا محاولاً تطوير خبراته الفنية وتعميقها.

جنح الفنان جاك وردة إلى الواقعية التسجيلية في أعماله النحتية كما اهتم بفن الفسيفساء أيضا، صمّم النصب التذكاري لشهداء جبل العرب في مدينة السويداء و نفّذ العديد من اللوحات الفسيفسائية في عدد من الكنائس الدمشقية، أما أجمل ما نحته وردة كان تمثال الشاعر أبي فراس الحمداني الذي يقف ليحرس البوابة الشرقية لحديقة حلب العامة، تأثر خلال فترة إقامته في باريس بأعمال الفنان الفرنسي الكبير أوغست رودان ليظهر ذاك التأثير في العديد من أعماله إلا أنه يذكر بعض النقاد وجود بعض اللمسات الانطباعية بأسلوب بعض المنحوتات وأسطحها.

التزم جاك الصمت بعد هجرته إلى أوروبا غائبا عن المشهد الفني كليا حتى أمسى من الصعب تحديد تاريخ دقيق لوفاته غير أن ذلك كان في نهاية الستينات أغلب الظن. لم يتمكن وردة من استخدام خامات قوية مقاومة للزمن حيث أن معظم أعماله كانت من الجص وهي مادة هشة مقارنة بخامات أخرى أكثر صلابة. كانت تجربته بسيطة غير أنها من التجارب الرائدة التي فتحت الطريق أمام النحت السوري.

 

 


 

يسر عيّان

كاتب سوري

Whatsapp