إلى متى هذا الإنهيار الأخلاقي الأميركي والأوربي خاصة؟


 

رأينا أوروبا تزهو بعباءتها الإيرانية تختال أمام رئيس أميركي، جعل نفسه رهينة أوروبية تحت راية رصّ صفوف حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أمنياً، وبموجب رؤية استئناف الشراكة السياسية عبر- الأطلسية للتصدّي للتحدّيات الكبرى، كالصين، وأن جو بايدن سلّم أمره لقيادات أوروبية متبعثرة ومبعثرة، وبات مُلحَقاً لأوروبا في تحوّل غير اعتيادي بالعلاقات الأميركية- الأوروبية التاريخية، فالبوصلة الأوروبية أضاعت القِيَم التي زعمتها، وقد وجدت في علاقاتها الإيرانية ذخيرةً للتموضع مع إدارة بايدن، فقرّرت أن من مصلحتها الإنصياع لإملاءات إيرانية، من رئيسها إلى حرسها الثوري الذي يدمِّر السيادة والكرامة الإنسانية في بلادٍ زعمت أوروبا أنها صديقة لها في المنطقة العربية وفي مقدمتها سورية ولبنان.

واضح أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، خضعت كليّاً لشروط إيران الرافضة لأي حديث عن السلوك الإيراني الإقليمي في مفاوضات فيينا، وما زالت الدول الأوروبية تأمل إقناع قيادات إيران بالموافقة على بحث الصواريخ بعيدة المدى في فيينا، وليس القريبة ومتوسطة المدى التي لا تأبه بها القيادات الأوروبية؛ لكن ليس في أذهان القيادات الأوروبية الإصرار على أي طرح للسلوك الإيراني الإقليمي، مهما قضم من سيادة أو دمّر من بلدان.

الإزدواجية الأخلاقية للقيادات الأوروبية مذهلة ومكشوفة، بما فيها من مزاعم المواقف العلنية نحو وكيل إيران في لبنان، ففي نهاية المطاف، طهران هي العنوان الأساسي والرئيسي لاستيلاء "حزب الله" على كامل مفاصل الدولة ومصادرة الحكومة وتطويق القضاء اللبناني، وكل ما تدّعيه القيادات الأوروبية من اهتمام أو دعم إنما هو كذبة سياسية ما دامت ترضخ وتُرضِخ واشنطن لإملاءات طهران التفاوضية وابتزازاتها الرافضة قطعاً لأي ربط بين مباحثات فيينا النووية والسياسات الإيرانية الإقليمية.

فعليّاً وعلى الأرض، أوروبا تعهّدت لإيران بأنها لا هي ولا إدارة بايدن في وارد التضحية بالأولوية النووية، وأن مواقفها من سياسات إيران الإقليمية لن تتعدّى وصفها بـ"الخبيثة"، ولن تقف في وجهها ما دامت المفاوضات النووية قائمة؛ إذ أن الصفقة ليست نووية حصراً، بل هي إقليمية بامتياز، تدخل ضمنها قيادات عربية- مدعومة صهيونياً وروسياً- تطبع مع نظام الجريمة بدمشق، ذلك أنه ما دامت المفاوضات النووية مستمرة- مهما طالت- لن تتدخّل القيادات الأوروبية وبايدن في المشروع الإيراني الإقليمي مهما كان ومهما كلّف، لأنها- جميعاً- باتت طوعاً رهينة الإبتزاز الإيراني.

إدارة بايدن وافقت على بدء المحادثات مع إيران في فيينا أواخر الشهر الحالي، ما قد يؤدي لإحياء الإتفاقية النووية قبل نهاية السنة، ويكون بمثابة هدية وداع للمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الحريصة كل الحرص على إرضاء إيران لإتمام الصفقة؛ قد تكون المفاوضات سريعة، لأن طهران في حاجة لرفع العقوبات عنها وأوروبا مستعجلة للإستفادة من رفع العقوبات، وقد تكون عسيرة فتستغرق وقتاً أكثر مما يتمناه الرئيس بايدن وفريقه؛ ولأنه في عجلة، قد يُقدّم بايدن المزيد من التنازلات بغمزة تشجيع من ’ميركل‘ الراغبة في تأبّط هذا الإنجاز لدى مغادرتها منصبها مع نهاية السنة.

لقد بحث جو بايدن مسألة إيران مع نظرائه الأوروبيين في روما وفي غلاسكو بالفترة الماضية، تحت تأثير تطوّرين مهمّين هما: 

1. نتائج الإنتخابات المحلية الأميركية التي بعثت برسالة استياء للحزب الديموقراطي وبايدن شخصياً، الأمر الذي أيقظ إدارة بايدن لضرورة التركيز على الساحة الداخلية، وبالتالي، قررت هذه الإدارة المُغرمة أصلاً بأوروبا أن الوقت حان لإغلاق صفحة العداء التي فتحها ’ترامب‘ مع أوروبا، وأن الأسهل لها الإنصياع للضغوط الأوروبية بدلاً من فتح جبهة مستقلّة مع إيران. 

2. تؤمن إدارة بايدن بأن التوصّل لاتفاقية مع إيران سيسجّل لها نجاحاً في السياسة الخارجية يغطّي على فشلها في كيفية الإنسحاب من أفغانستان، لأن ما يحدث على صعيد السياسات الخارجية الأميركية من فشل يلحق الضرر الكبير بالرئيس.

وبسبب ما تفيد به الأجواء الأميركية، هناك استياء، لا يقتصر على الجمهوريين بل يشمل الديموقراطيين، من افتقاد جو بايدن الفكر الاستراتيجي ومبدأ المواقف الصارمة، واكتفائه بالخطوات التكتيكية، وهناك قلق من عدم امتلاك جو بايدن رأياً خاصاً به يجعله متأثراً وبسرعة بآخر ما يسمعه، وهذا واضح من وقوعه تحت الضغوط الأوروبية؛ كل هذا يؤشّر لوجود صراع جدّي داخل الإدارة الأميركية التي يرى بعضها أن انصياع بايدن للضغوط الأوروبية إنما يقوّي اليد الإيرانية في التفاوض نووياً، وفي فرض الأمر الواقع إقليمياً، وهذا يعني أن أميركا هي الخاسرة، وأن إيران تقع في موقف الرّابح، نووياً وإقليمياً.

فهل يحق لإدارة بايدن والحكومات الأوروبية أن تتقدّم بأي بلد كان فديةً لسياساتها ومصالحها، أو تغطية على ضعفها وانسلاخها عن القيَم التي تدّعيها؟ 

فلتتفاوض هذه الحكومات والإدارات نوويّاً مع إيران، ولترفض ما تعتبره إقحاماً لسلوكها الإقليمي الخبيث على المفاوضات النووية، لكن لا صلاحية لها ولا أخلاق في تمكين إيران ووكلائها من بعث الدمار والإنهيار لبلداننا العربية تنفيذاً لمشاريعها الإقليمية.

لا بد من فضح العلاقة العضوية بين المفاوضات النووية وتأشيرة التدمير والهيمنة التي منحتها الحكومات الأوروبية وإدارة بايدن، باعتمادها مواقف متخاذلة أمام طهران حمايةً لمفاوضاتٍ في فيينا قد تستغرق الوقت الذي ترتئيه إيران لاستكمال مشاريعها الخبيثة.

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب سوري

 

Whatsapp