مفاتيح الموت


 

هناك كلمات لها وقع مؤلم على النفس كالسرطان، في بلادنا لا تلفظ إلا للأعداء! ويستعاض عنها بعدة ألفاظ هو ذاك المرض، يا لطيف، والعياذ بالله، الخبيث، أي كلمة تخطر على بالك إلا لفظ السرطان وإن لفظتها فهو موت محتم.

أمي امرأة قوية جميلة صبورة حنونة متعلمة مثقفة وطيبة إلى أبعد الحدود لم تغتب أحداً في حياتها لم تتلفظ ألفاظاً نابية مطلقاً ولم تحقد على أحد، أنا صادقة بكل صفة أطلقتها عليها وشهادتي ليست مجروحة، اسألوا عنها كل أهل مدينتها الصغيرة وكل من عرفها سيصفها بأكثر من ذلك أنا أوجزت خوفاً من أن يقال شهادتك مجروحة.

 إنها أمي لن أبتعد كثيراً عن السرطان توفي والدي رحمه الله الذي كان حكاية مقدسة جميلة تملكتني ولا زالت، يوم ذكراه الأربعين كالسرطان الذي تمكن من والدتي وقع مرضها آنذاك كسرطان مضاعف، اكتشفه أخي الكبير الذي سعى بكل صمت لعلاجها وإخفاء الخبر عنا، وابتهل أخي الأوسط إلى ربه قائلاً: لم أطلب شيئاً لي في حياتي منك يا ربي، هو طلب واحد ليس لي إنما لأمي فكلاهما يرحل أبي وأمي فهذا قاسٍ علينا. أختي البعيدة التي هي أقرب من حبل الوريد ابتهلت بكل طهرها وانسانيتها إلى ربها لشفاء أمها التي حرمت من حنانها لسنوات.

 أما أخي الصغير فكان دمعه يكشفه وحزنه لا يضاهى، هي قصة حقيقية وليست رواية لنيل إعجاب القراء! واقع أسرده بكل شفافية لا أجمله ولا أزيد عليه بل أنقص فقط لأنها أمي كيلا تتهمونني بالمبالغة.

 نقلوها إلى العاصمة حيث العلاج الوحيد هناك، ونقلت معها أرواحنا ننتظر الخبر نتضرع ونأمل، دعواتنا لا تتوقف لحظة واحدة، لكننا متفائلون رغم كل ما يطلق على هذا اللعين من أسماء، لشيئين أملنا بالله كبير وثقتنا بأمنا كبيرة، سأقص عليكم كيف تسللت أمي إلى إضبارتها الطبية استطاعت أن تعرف أن مرضها يختلف عمن حولها فقد كتب تعفن (عقد لمفاوية) في الحلق والصدر والاستئصال خطر على حياتها كونها مريضة سكر، هو اسم نوع السرطان الذي أصابها وكانت فرحتها لا توصف فقد زفت لنا الخبر أن ما لديها ليس سرطاناً والعياذ بالله لكنها وضعت مع المصابين بالسرطان لأنها مريضة سكر وسيعالجونها بطريقة حديثة بالكيماوي والأشعة خوفاً عليها  من النزف.

 أشهر من المعاناة وهي لا تعلم، في بلادنا يراعون عدم ذكره أمام مرضاهم، من أجل عدم انهيار مرضاهم ومراعاة لوضعهم النفسي، استمرت المعاناة لعدة أشهر كانت جبارة نقص وزنها إلى النصف واختفى لديها حاسة التذوق وأخفت على الجميع آلامها المبرحة أثناء العلاج، فالعلاج هو إدخال السم إلى الدم مباشرة للتغلب على الكتل السرطانية فتصوروا كيف يبقى المريض متسمماً لعدة أشهر والعلاج هو الاستمرار بتسميمه لينجو من الموت، والمتابعة لسنوات لكنها لم تشتكي يوماً وعاشت بعدها ثلاثة وثلاثون عاماً وهي لا تعلم أنها أصيبت بذاك المرض؟

 لو أنها على قيد الحياة لم أستطع أن أسرد عليكم قصتها مع السرطان، سامحيني يا أمي كنت امرأة جبارة ولم تستسلمي يوماً، لم أعلم حينها ما هو هذا المرض وما هي تداعياته كلَّ ما عرفته أن أمي امرأة مميزة مؤمنة طيبة لاتستسلم٠

توفيت أمي بعد سقوطها أثناء الوضوء على ظهرها وكانت النهاية، وتركت لنا السرطان الأكبر الذي استفحل في كل أجسادنا وفي بلادنا، ونال كل شيء فالسرطان الأكبر اكتشفناه كان حكامنا الذين استشروا وتغلغلوا في قلوبنا ورؤوس أطفالنا وعيون الأمهات.

 

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

Whatsapp