حجم الكون


 

قهري في هذه الحياة بحجم الكون، عندما نبتعد عن كل مقومات الإنسانية ونترك على الأرض دون جاذبية لا مكان حقيقي نستند عليه حتى الحيطان ملت منا والهواء لا يطيق النفوذ إلى رئتينا والشمس باتت تحرقنا ويقال هناك في السماء قمر جميل! والبحر الذي ابتلع أطفالنا لطيف، الكل يتحاشى النظر الينا فنحن من بلد القتلة لا يعطوننا فرصة للنزاهة أي تصرف محسوب علينا، إن سكتنا يفسر أننا نعمل على خطة جهنمية، وإن ارتفع صوتنا فنحن وقحين، كل شيء من حولنا لا يوحي بالأمان نحن معرضون للطرد أينما كنا وفي كل البلدان من لفظ من بلده فهو مهان!  وإن كان الحاكم سفاح، فالحق علينا  هو سفاح جميل لكننا لا نراه العمى في عيوننا وقلوبنا فالعالم كله يرى إجرامه مباح، نحن من كان هناك الحقيقة عندنا مهما اتفق الرؤساء، فمصالحهم مشتركة، ونحن من نهان وندفع الأثمان، السكينة هربت من دواخلنا والسعادة خاصمتنا والفراغ من حولنا يمتد ويمتد ويلف الكرة الأرضية سبع مرات ولا زاوية تأوينا وتعترف بنا كأبناء، نجترع المرارة ونرسم الابتسامة رغم قلوبنا البائسة من أجل الأطفال ما ذنبهم إن كان حاكم أهلهم نذل جبان، الرجال الذين هاجروا اقتلعوا من بلادهم كالأشجار التي تعرضت لإعصار، بقي التراب على أقدامهم كما جذوع الأشجار، وهذا التراب المقدس وحده الذي نجا من رجس الأشرار، أما المرأة التي اقتلعت من مملكتها لتصبح في الغربة  ممرضة وخادمة وملمة بعلم النفس مطيعة راضية ودائمة الابتسام، تسعى بكل قوتها التي تضاعفت مئات المرات لتبقي بيتها ثابت بالرغم من كل التقلبات لا وقت لا تفكير بنفسها وهندامها وأنوثتها فلقد دفنتهم هناك، نعم هناك حيث كانت ملكة بعرشها تنهى وتأمر ولا تسكت عن الهوان، إنها الآن إمرأة لاجئة ما أصعب هذا الإسم الجديد الذي أطلق عليها، فلقد سلبها الأمان الذي اختطفه الحاكم في بلادها قبل هذه البلاد، بالرغم من كل هذا الخنوع والذل أرحم من بلدها الذي سلب منها لقمتها وعفتها وكرامتها وقتل أهلها ودمر بيتها على رؤوس أطفالها ففي الغربة تعاني فقط من عدم الاطمئنان، لا نريد لأولادنا أن يعانوا ما عانيناه ولا أن يتذوقوا المر كما تذوقناه، إن نفذوا هم فسوف ترقد أرواحنا بسلام، أرواحنا التي غادرتنا فور مغادرتنا بيوتنا التي بنيناها بعرق جبيننا ليكون لنا مأوى على مر الزمان،  سامحوني إن نقلت لكم الواقع بأقل الكلام فالواقع أقسى بكثير مما كتبت لأنه لا يكتب بكل الأقلام، الواقع أمر بكثير من هذا الهذيان، نختصر ونجمل من أجل ديمومة الحياة، كي لا يتأذى أولادنا بمعرفة دواخلنا التي تشتعل بالنيران، سيروا  قدماً أيها الأطفال لا تصدقوا هذا الكلام فهو هذيان في هذيان، فالحياة جميلة والطبيعة ممتعة والطعام لذيذ والقمر حين يصبح بدراً بالسماء حينها تكونوا أنتم مثله على الأرض والشمس دافئة في الشتاء، أقبلوا على الحياة بكل اندفاع لا تخافوا شيئاً فالخوف أقرب للمات.

 

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

Whatsapp