المشهد الراهن وتأثيره في السياسات الكبرى 


 

 

إن دخول 2022 بالخوف من غموض وباء كوفيد-19 والانتشار المرعب لمتحوّر ’’أوميكرون‘‘ وشكله الجديد ’’دلتاكرونا‘‘ ليس تدشيناً سهلاً لسنةٍ كان العالم يأمل بأن تكون سنةَ التخلّص من هذا الفيروس الذي ألقى القبض على مشاريع الناس لعامين وخلّف وراءه الموت والآلام ونسف الأحلام، فإن لعام 2022 ملامح أزمة اقتصادية عالمية، ليس فقط بمساهمة من دلتاكرونا وأوميكرون وكوفيد-19، وإنما أيضاً بسبب سياسات اقتصادية للبنوك المركزية، وحجم البطالة، وارتفاع معدل التضخم في العالم، وانهيار قطاعات، ومخاطر كبرى تواجه الاقتصاد من ضمنها التوترات الجيوسياسية والسياسية.

واضح أن أزمة روسيا مع حلف شمال الأطلسي 'ناتو' ومع الولايات المتحدة بسبب أوكرانيا هي مغامرة لروسيا كما هي تحدٍّ جدّي للقيادات الأوروبية والأميركية، فهل هناك أمل بنزع الفتيل خلال المحادثات المزمع عقدها في النصف الأول من هذا الشهر (بين مندوبي الولايات المتحدة وروسيا في جنيف يوم 10، وعندما يلتقي الوفد الروسي مع وفود دول حلف شمال الأطلسي 'ناتو' في بروكسيل يوم 12 منه عشية اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا)؟

 القراءات ليست مبشرة بل غير متفائلة، فالأجواء والإجراءات العسكرية الظاهرة تهدّد بأزمة خطيرة تنذر بعودة الحرب الباردة وإنزال ستاراً حديدياً على روسيا، وهي على أبواب الحوار مع أميركا في ما يتعلق بأوكرانيا، تقفز كازاخستان لجدول أعمال الحوار، فهل أن الغزو الذي انتظره الغرب في أوكرانيا، حدث في كازاخستان؟ وهل عرض العضلات الروسي في كازاخستان، رسالة إلى الغرب لا تحمل الكثير من التأويلات؟
فما كان بوتين ليسمح بفتح جبهة أخرى على روسيا، ليقع بين نارين، وهو ما يُفسر سرعة التدخل الروسي عسكرياً تحت غطاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإن مجلة “الإيكونوميست” البريطانية التي تنتقد بوتين على نحوٍ دائم، اقتبست عن المؤرخ "سيرغي رادتشينكو" أنه بعد كازاخستان “أثبتت منظمة معاهدة الأمن الجماعي أنها حلف دفاعي”، في تذكير بنكتة سوفياتية قديمة عن حلف وارسو الذي كان يُقال عنه إنه “لا يغزو إلا الدول الأعضاء فيه فقط”، وذلك في إشارة إلى التدخل في بودابست عام 1956 وفي براغ عام 1968. 

إنها أزمة جيوسياسية متفاقمة وسيكون لها تداعيات أوروبية وأميركية بالتأكيد، وانعكاسات على الصين التي ستستفيد من حدّة الأزمة بين الغرب وروسيا، وكذلك على إيران التي سترتاح من تركيز الضغوط الأميركية والأوروبية عليها لتتحول تجاه الأزمة الأوكرانية والكازاخية والمواجهة مع روسيا.

ظاهرة افتقاد القيادة الأوروبية ستكون عاملاً مؤثراً في التوترات الجيوسياسية والسياسية الأوروبية خاصة بعد مغادرة المستشارة الألمانية ’أنغيلا ميركل‘ التي لعبت دوراً محورياً في قيادة أوروبا ولا أحد من القادة الأوروبيين مؤهل حالياً لوراثتها؛ وأزمة ضعف القيادة الأميركية، أو على الأقل تراكم الانطباع عالمياً بضعفٍ بنيوي في القيادة بعهد جو بايدن على مستوى شخصه وكامل فريقه في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية، فالعالم اعتاد على قيادة أميركية استباقية وقويّة وحازمة وهو ينظر لقيادة بايدن بأنها إرضائية تركض وراء قيادة أوروبية غائبة، خائفة من الحزم ومن القيادة، ومن المحتمل أن تنتقل القيادة الى الجمهوريين بالانتخابات النصفية القادمة في مجلس الشيوخ والكونغرس، وهذا سيؤثّر جذرياً في السياسات الأميركية لجهة عودة الجمهوريين للساحة السياسية الأميركية.

ولن تكون هناك أزمة قيادة في الصين على أبواب الاجتماع العشرين للحزب الشيوعي الحاكم، وبالتالي ستمضي الصين في سياساتها الحازمة بما فيها تلك نحو تايوان، والذي سيخلق توتّراً مع أميركا والغرب كله؛ أما الدور الإيراني وأزمته فهو الذي سيتربع على المشهد الإقليمي في شرقنا البائس، ولتكامله مع الدور الإسرائيلي وترابطهما وسط توترات واضحة لأسباب نووية أولاً ثم لأسباب تعود للترسانة العسكرية التقليدية في موازين القوى بينهما تالياً.

ومحادثات ڤيينا ستشكّل نقطة الانطلاق لانفراج أو إلى مواجهة؛ فالتوصل إلى صفقة نووية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة وبين إيران من جهة ثانية، قد لا يرضي إسرائيل، لكنه قد ينزع الفتيل عن مواجهة عسكرية مباشرة بينهما.

وإذا فشلت مباحثات ڤيينا فإن إيران ستسرّع برنامجها النووي، وتصبح أكثر خطورة، بقدراتها العسكرية وصواريخها وقدراتها النووية، وأن التهديد بقيام إسرائيل بأي هجوم على مفاعل ومواقع نووية إيرانية سيؤدي لهجوم مضاد وتوجيه ضربات متعدّدة النوعية لإسرائيل بصواريخ متفوقة؛ خاصة وأن إيران واثقة بأن أميركا في عهد جو بايدن لن تتورّط عسكرياً الى جانب إسرائيل إذا وقعت حرب مباشرة بينهما، بل ستقف متفرّجة وهي تحاول وتسعى وراء احتواء النزاع. 

أما إسرائيل، من جهتها، فترى أن إيران باتت قريبة جداً من امتلاك السلاح النووي كما أصبحت قوية عسكرياً، بل قوية فوق العادة، ولهذا، لن تتمكّن من الوقوف متفرجة أمام مثل هذا النمو العسكري لإيران، وأن البعض يعتقد أن الحرب السيبرانية هي التي ستستمر إلى جانب تعزيز إسرائيل قدراتها الاستخبارية وعملياتها السرية واغتيالاتها، ورأى البعض أن إيران لا تريد حرباً مع إسرائيل لأن مثل هذه الحرب ستقضي على ورقة ثمينة لدى إيران هي "حزبها في لبنان" وترسانته وبالتالي، لن تكون هناك "حرب حقيقية" بين إيران وإسرائيل، إذ أن إسرائيل تبنّت سياسة غض النظر عما يقوم به "حزب الله" داخل لبنان لكنها صعّدت ضد إيران و"حزب الله" في سورية.

الرأي الآخر هو أن لبنان مرشح ليكون ساحة الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل بفضل وجود "حزب الله" وترسانته هناك، فالأمر لن يتوقف على حرب صواريخ من وإلى تل أبيب وطهران، وإن إيران تبنّت استراتيجية ستنفذها في شهر كانون الثاني /يناير وهي تطوير المساعدات لـ"حزب الله" بـ"تجديدها وتوسيعها"، الأمر الذي استدعى من إسرائيل القضاء على طلائعها في اللاذقية بداية هذا الشهر، وقد تكون إيران متأهّبة لهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة عبر "حزب الله" في إطار حرب لن تكون سريعة في "حرب ليوم واحد" وإنما ستكون "نزاعاً عسكرياً جدّيّاً بين إيران وإسرائيل قد ينطلق في شباط (فبراير)/ آذار (مارس)"، في حال فشل المفاوضات النووية في ڤيينا، أو، هكذا تريد طهران إخافة المنطقة.

إنها سنة جاءت من رحم القلق وستكون سنة صعبة طوال العام لأسباب وبائية وجيوسياسية وجيواقتصادية، تتطلب من الشعوب العربية عدم الاستلقاء أمام قيادات سياسية فاسدة وفاشلة أو مستبدّة أو متهورة وكلها عدائية بشكل أو بآخر، ولا يحق لها الانسحاب من مسؤولية المشاركة في صنع المصير وصنع القرار، لا سيّما أن بعض الأدوات في أيديها، من إعلان الموقف، إلى رفع الصوت بجرأة، إلى التفكير العميق خارج الصندوق بـ ما العمل؟

 

 

 كاتب سوري

Whatsapp