الوقت المناسب لفعالية قيادة الثورة السورية


 

 

تقاس فاعلية القيادة ضمن أي مجتمع بمدى القدرة على تحريك الناس والتأثير فيهم، وإطلاق المبادرات والمشاريع، وأخذ المواقف الحازمة لصالح الناس والمقدرة على صناعة الحدث؛ فالأحداث تصنعها القادة وتقود إدارتها لتفاعل الناس معها بشكل مفيد، وللسياسة نوعان: منها ما هو داخلي كسياسة شؤون الناس الداخلية وأولها إدارة شؤونهم الاقتصادية والنوع الثاني السياسة الخارجية التي تتجه محصلتها للداخل.

إنّ تحقيق الفاعلية أساس في القيادة لتحقيق النجاح والوصول للأهداف التي انطلقت منذ انفجار الثورة السورية قبل إحدى عشرة سنة، وهي أساس في حركات التحرر التاريخية إلى يومنا هذا، وبقيت الفاعلية لدينا إلى اليوم تتراوح بين الانفصال التام عن الحدث أو الاقتراب منه، وبقيت حالة تعدد القيادات العسكرية والسياسية وأحياناً التنازع عليها، سببًا من أسباب الضعف الداخلي لقيادة الثورة والمعارضة عموماً ولن نتحدث عن الأسباب الخارجية؛ فالبنية الداخلية هي الأساس في التفاعل مع العوامل الخارجية سلباً أو إيجاباً.

حتى تحقق الفاعلية على أرض الواقع لابد من منظومة قيادة حقيقية سياسية وعسكرية ولها إطار شرعي شعبي واعتراف دولي، وأن تكون نفسها ذات فاعلية فتكون هذه المؤسسة الذي اكتسبت الشرعية الدولية وقبلها الشعبية هي الفاعل الحقيقي المباشر، وهذا يحتاج الوجود الحقيقي الفاعل في دائرة الصراع وفي الجغرافية نفسها والتي تقودها اليوم من جغرافية أخرى، ولابدّ للإدارة الجيدة والفاعلة لهذا الصراع أن تكون من رَحِمه وفي عمقه ومركزه، فتعيش الحدث يوماً بيوم وتدير المفاعيل والقوى بكل أشكالها، وتتحد لتكون النتائج فاعلة والاحترام الداخلي والخارجي لنا سيكون أكبر وأعظم على جميع المستويات ونكون مضرب مثل حقيقي بنضال جاد من قلب الحدث وإدارة متميزة وعدالة وحرية حقيقية ماثلة في الواقع وتفعيل الديمقراطية في إدارة الجغرافيا المحررة.

فالقيادة في أبسط تعريف علمي لها: هي القدرة على تحريك الناس نحو الهدف؛

فكيف سيكون تحريك الناس المستمر والفاعل من أجلهم ومن أجل مستقبلهم مالم نكن بينهم نتلمس آلامهم وآمالهم ونوجه أفكارهم وطاقتهم التوجيه الصحيح والفعّال لنجنبهم الأخطاء والكوارث.

كل حركات التحرر في التاريخ تُدار من رحم الجغرافيا ويكون لجوؤها حالة طارئة وليست دائمة لتعاود الكرة وتحقق تحرير وتمركز وإعادة تموضع جديد لمزيد من المكتسبات وهذا يحقق فاعلية كبرى.

فالقيادة العسكرية الحالية متعددة وتحمل مشاريع مختلفة أحياناً، والقيادة السياسية بعيدة وتكتفي بزيارات للداخل فقط والتي ينبغي أن تكون زياراتها نحو الخارج لتحقيق مصلحة للداخل!

 المفيد لنا اليوم وفي ظل الاستعصاء السياسي هو الدفع بتفعيل المؤسسات الشرعية لتمارس الدور الحقيقي والمطلوب بين القيادة والناس. 

ومصطلح القيادة في اللغة العربية من قاد يقود وتقول العرب قاد الناقة أي سار أمامها آخذاً بناصيتها، أما ساق الناقة فسار خلفها، ولهذا ينبغي للقيادة أن تكون في رحم الجغرافيا وتكون السياسة الداخلية الصحيحة والمفيدة والقوية التي تبني عليها السياسة الخارجية لتكون أقوى، فهذه القيادة الحقيقية والفاعلة التي تؤتي ثمارها وأُكلها.

وأعتقد أن السنين التي مرّت كافية لنخطو خطى جادة ومتقدمة وفاعلة لنحقق نتائج مختلفة، والظروف الدولية وانشغال الروس بمعارك كبيرة في أوكرانيا وحشد المجتمع الدولي تعاطفه ودعمه لمواجهة الروس، فرصة ووقت مناسب.

الناظر اليوم إلى هذا الإصرار الشعبي العظيم والكبير وحجم هذه التضحيات حتى سكنوا قرى من القماش ( مخيمات) لسنوات عديدة وصعبة، فتستحق تلك التضحيات خطوات جادة اليوم وتضعنا أمام مسؤولية كبيرة كي نرتقي بها ونضحي من أجلها ونتفاعل معها بشكل مباشر وحقيقي وليس عن بعد لاستمرار كل أشكال المعارك السياسية والحقوقية والمدنية والعسكرية، وحملات جادة للتوعية والتنمية والتغلب على العقبات والتحديات لتوفير الحد الأدنى من الإدارة الجيدة والأمان الذي ينعكس على هذا الشعب المضحي والذي صبر ومايزال مصابرًا ليتحرر من الاستبداد والاحتلال ولينال حريته وكرامته، والتاريخ سوف يسجل بحروف لا تُنسى من الذي سيخطو تلك الخطوات ويحقق تلك الغاية لهؤلاء الصابرين المهجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ليعيش معهم ويعمل لهم ومن خلالهم لإنقاذهم، ليثمر الجهد تغييراً حقيقياً مستفيداً من الرياح الدولية وهذه القوة الشعبية الكبيرة الشامخة الصابرة.

 

د. زكريا ملاحفجي

كاتب سوري

Whatsapp