نظام الاستبداد ودولة المواطنة


كان الاستبداد ومازال الآفة التي دخلت وتدخل منها الشرور والمفاسد التي تصيب المجتمعات، وتؤدي بها إلى الإنهاك والانهيار، حيث هذا المرض المزمن الذي أصاب المجتمعات في منطقتنا، وأفضى بها وبالمسؤولين فيها في كثير من الأوقات إلى أوضاع ساد فيها الصراع وسفك الدماء وضياع الحقوق، وانتهاك الأعراض ونهب الأموال والثروات، وهناك الكثير من التفاصيل التي يشك الإنسان فيها بعض الأحيان )أن الناس بلغت بهم الأطماع وحب السلطة والتسلط ما بلغته من الانحدار والسقوط (.

عُرِّفَ الاستبداد بـ )حكم أو نظام يستقل فرد فيه بالسلطة أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأس المحكومين (.

ويوصف بـ )المستبد عرفاً من يفعل ما يشاء غير مسؤول، ويحكم بما يقتضي به هواه (.

حيث تقوم السلطة المستبدة بالتحكُّم في الشأن الاجتماعي للناس (التجمع، التعبير، تكوين الأحزاب أو الجماعات، الرقابة على التصرفات أو المعلومات) بهدف خنق المجتمع المدني المستقل، وفي الوقت نفسه تقوم بتدعيم القوة العسكرية والأمنية لضبط المخالفين بينما تَعْقدُ التحالفات باستخدام الدين أو الدعم الخاص من أطراف معينة في المجتمع لضمان الولاء، وتتميز الدولة الاستبدادية بالحكم اللانهائي لحاكم واحد أو حزب واحد، كما في سوريا، ومنذ استيلاء البعث على الحكم عام 1963، وبالتالي تم تحويل الدولة إلى سلطة إرهاب، ودولة تفتقد فيها الحريات العامة والعدالة المتساوية بين المواطنين إلى حدٍ يفتقد المواطن فيها هويته الوطنية ليضطر إلى العصيان والانتفاضة في وجه الاستبداد بحثاً عن حريته وكرامته في دولة تكون فيها المواطنة المتساوية أساساً للحكم.

دولة تتحول من دولة الحماية إلى دولة الرعاية التي ترعى جميع مكوناتها وتقف على مسافة متساوية منهم جميعاً بغض النظر عن أصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية والمذهبية أو قناعاتهم الفكرية، لتكون دولة المواطنة التي هي دولة الكفاءات لا الولاءات، فتقوم هذه الدولة في استئصال بعضٍ من شعبها عن طريق التطهير العرقي أو التهجير القسري حفاظاً على العنصر الغالب، ولم تعد تفكر في التخطيط لإحداث تغيير ديموغرافي في تركيبتها السكانية تغليباً لفئة على أخرى، وبالتالي استطاع الغرب من خلال تبني هذا المفهوم ابتكار الصيغة المناسبة للتعامل مع اختلاف البشر الطبيعية في الجنس والعرق واللون والدين والمذهب والفكر واللغة عن طريق الاعتراف بها وإيجاد القنوات اللازمة للتعبير عنها بما يصب في مصلحة الوطن.

ففي بناء دولة المواطنة المتساوية يتحول الاختلاف إلى تنوع يزيد الدولة ثراءً ويمدها بمزايا إضافية مالم تحصل عليها لو لم تتخذ المواطنة أساساً للتعايش وسبيلاً للتقدم، حيث إن تركيا اليوم تسير في هذا الاتجاه لترمي بماضيها المؤلم وتصنع من تركيا دولة المواطنة المتساوية بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسه (رجب طيب أردوغان) وسط معارضة شديدة من المتطرفين والمتشددين القوميين واليسار المتطرف.

ونحن في سوريا نطمح إلى بناء هذه الدولة التي انتفضت من أجلها الجماهير بكل أطيافه العرقية والدينية والمذهبية، يقيناً، إن بناء دولة مدنية ديمقراطية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام جميع القوميات والأديان، سيكون الأفضل بصورة مطلقة، من خيار بناء دولة على الأساس القومي أو الإثني وبغض النظر عن مضمون الحكم فيها، فدولة المواطنة المتساوية التي تحترم فيها حقوق الأفراد والجماعات، دون تمييز قومي أو عرقي أو سياسي، هي مرحلة متقدمة في مسار صعود الإنسان مما هو أدنى إلى ما هو أكثر تقدماً ورقياً، واكتمالاً، أما الدولة القائمة على الأساس الإثني أو القومي أو الديني فقد عرفتها البشرية قديماً وحديثاً، وكانت باستمرار مشاريع حرب أو على الأقل منتج للعداء والتعصب والكراهية، وهي الآن لا يمكن أن تكون خياراً إيجابياً، كما أنها لا يمكن أن تكون حلولاً حقيقية وناجعة لمشاكل التمييز والاضطهاد الإثني أو الديني.

إن الديمقراطية الحقيقية ذات المحتوى الإنساني الجاد، لا ديمقراطية نخب الفساد والطغم المالية أو شراء الذمم والأصوات، أو تضليل الجماهير وتغييب وعيها أو ترهيبها، هذه هي الديمقراطية وهي الضمانة والحل لإشكالات الاضطهاد والتمييز العرقي أو الديني، وهي التي تبني مؤسسات الدولة وتحافظ عليها وتحرص على حل المشاكل التي تعترض المجتمع بطرق سلمية وتمنع السلطات من استعمال العنف ضد احتجاجات الجماهير السلمية، وهي التي تفتح الآفاق أمام المبدعين ليخدموا وطنهم ودولتهم ومجتمعهم، وهذا ما يطمح إليه الشعب السوري لسوريا الغد بعد الخلاص من الاستبداد وجميع أركانه.

 

أحمد قاسم

رئيس القسم الكردي

 
 
Whatsapp