الثورة السورية بين الواقع والمأمول


مما لا شك فيه أن تلك الفئة الاجتماعية التي بدأت بإعلاء صرختها في وجه النظام السوري في (درعا) على خلفية اعتقال الأطفال الذين كتبوا على الجدران (الشعب يريد إسقاط النظام) ـ متأثرين بالثورة التونسية والليبية والمصرية ـ ومن ثم تعذيبهم بشكل وحشي وقد كانت كافية لبداية ثورة انطلقت بعفوية جماهيرية، بعد أن وصل الكبت إلى حدود الذروة لدى غالبية الشعب السوري، والنظام لم يحسب يوماً حسبانه على أن للشعب حدود في الصبر على ظلمه واضطهاده، ولم يترك فرصة ولو للحظة ليعبر عن معاناته التي طالت عقوداً.

كان ذلك في يوم 18/3/2011 بعد مراجعة ذوي الطلبة للجهات الأمنية للسؤال عن مصير أطفالهم وتلقيهم الجواب " غير المتوقع بعيداً عن الأخلاقيات والآداب " حيث أخجل أن أدونه في مقالتي هذه لما فيه من إهانة ليست تجاه ذوي الأطفال فحسب، بل تتجاوز لتمس كرامة الشعب السوري برمته، وعلى أثره، وبعد أن تم إعلانه شعر الناس بالغبن الذي وصلوا إليه، وكذلك أجهزة مخابرات النظام التي باتت تشكل الجزء الأخطر على كرامة هذا الشعب المسالم والنبيل. فكانت ردة فعل الجماهير في (درعا) على مستوى الإهانة التي تلقتها من جهاز أمن النظام على شكل مظاهرة شعبية عارمة أقسمت على أنها لن تتوقف إلا بعد أن تعيد للشعب كرامته وحريته، لذلك كان الشعار واضحاً من دون تأويل (الحرية والكرامة أولاً) ـ (الشعب السوري ما بينذل) ـ (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) كانت تلك الكلمات كافية لتصبح عنواناً لثورة جماهيرية عارمة على مساحة سوريا. وبسرعة فائقة لاقت الجماهير في (درعا) تجاوباً من غالبية الشعب السوري، وامتلأت الشوارع في المدن والأرياف من المتظاهرين ينادون بصرخات كانت تشق كبد السماء (يا درعا احنا معك حتى الموت) من جنوب البلاد إلى شماله ومن غربه إلى شرقه، ومن جميع مكونات الشعب السوري (عرباً وأكراداً، مسلمين ومسيحيين، ومن كل المذاهب والطوائف. تتخلل المظاهرات شعارات (سلمية سلمية حتى الموت) إلا أن أجهزة النظام الأمنية في اللحظات الأولى، وبدلاً من أن تتجاوب مع طلبات الجماهير المشروعة، اتجهت نحو خيار العنف وقتل المتظاهرين العزل. ومع ذلك تمسكت الجماهير بسلمية حراكها الشعبي.

ارتبك رأس النظام منذ بداية الانطلاقة، حيث خرج على شاشة التلفاز في يوم 30/3/2011 ليخاطب الشعب ويوضح مبادئ سياسته تجاه تلك المظاهرات التي أخذت شكل انتفاضة في حقيقة الأمر، وبدلاً من أن يقدم ما يهدئ الناس ويبث شيئاً من الأمل ويعد الشعب ببرنامج يغير بموجبه سلوك نظامه ويحاسب من أهان الناس. خاطبهم بلغة التهديد والوعيد، واتهم النشطاء بين الجماهير المنتفضة بالإرهابيين، مؤكداً في كلامه على أن "عشرات الآلاف من الإرهابيين قد دخلوا إلى سوريا بدعم من الدول الأوروبية وإسرائيل وبعض دول الجوار للنيل من موقف سوريا القومي والوطني، ومن حق النظام الدفاع عن شعبه." حسب ادعاء بشار الأسد الذي يمثل رأس النظام. حقيقة ومنذ تلك اللحظة فقد رأينا فيه رئيساً للعصابة وليس رئيساً للبلاد!

كانت كلماته تعبر بوضوح على أنه سينتقم من الشعب، وكان أيضاً يوحي بأنه سيقلب الانتفاضة السلمية التي تحولت إلى (ثورة) بعد سقوط الآلاف من الشهداء، وكذلك إلى حالة من الفوضى ليتسنى له الانتقام.

ثم أطلق سراح المجرمين من سجونه، وفتح الحدود أمام الآلاف من المرتزقة والإرهابيين، وكذلك كتائب (الزرقاوي) من العراق، إضافة إلى الحشود الشيعية التي تدعمها إيران، وسادت الفوضى، وعمت أشكال الاقتتال بين تلك المجموعات على السرقات والإتاوات والغنائم من جهة، وتوحدت تلك المجموعات لمواجهة الانتفاضة، وفيما بعد لمواجهة الجيش الحر الذي تشكل بالأساس للدفاع عن المتظاهرين السلميين.

كما تهيأت الظروف لتتشكل جبهة النصرة، وتعلن ولاءها للقاعدة، وكذلك (الدولة الإسلامية في العراق والشام) لتحتل القسم الأكبر من سوريا، إلى جانب وحدات الحماية الشعبية الجناح المسلح لحزب الإتحاد الديمقراطي ـ الموالي لحزب العمال الكردستاني والتي سيطرت على المناطق الكردية بالتوافق مع النظام، ومهمتها الأساسية إبعاد الكرد عن الثورة. كل ذلك كان يوحي بأن النظام ومن وقف معه من الدول والمنظمات الإرهابية سوف يقاتلون بشراسة ووحشية ضد الشعب السوري وثورته حتى النهاية، وسيعملون على إفشال أي مسعى للحل السلمي يؤدي إلى تغيير النظام. لكن ومع كل التضحيات والمآسي التي أُلحقت بالشعب السوري لايزال الأمل منتعشاً وإرادة انتصار الثورة لم تخمد. لأن الشعب السوري أدرك جيداً أنه قطع مسافة شاقة لا يمكن التراجع عنها، وأنه اقترب إلى تحقيق الأهداف، وأدرك الأخطاء والأسباب التي أدت إلى الانحراف عن ثورته وهو مستعد لإنتاجها والانطلاقة بها نحو النصر الأكيد ثانية.

 

أحمد قاسم

رئيس القسم الكردي

 

 

 
Whatsapp