الدور الإسرائيلي في حماية النظام الأسدي


منذ حكم حافظ الأسد، وحتى اندلاع الثورة السورية في عهد وريثه بشار، قليلة وربما نادرة تلك الدراسات والأبحاث، التي عكفت على تناول العلاقة التاريخية الخاصة بين الكيان الصهيوني والنظام السوري، كانت الرواية الرائجة التي علقت في أذهان الشعوب العربية، تنطلق من أوهام العداء والصراع بين الطرفين، وترى في "حرب تشرين عام 1973، دليلاً "على تحدي نظام الممانعة للثكنة الصهيونية، وإصراره على فرض سلام الشجعان، بدلاً من سلام الإذعان"، إذ لم يمكن مسموحاً التمحيص والتدقيق بمدى صحة هذه الرواية، وحتى من كان يتجرأ ويشير إلى دور حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع، في تسليم الجولان لإسرائيل عام 1967، كان عليه أن يتوقع أسوأ وأشد ضروب العقاب والجحيم الأسدي.

بعد اندلاع الثورة السورية وسقوط جدار الخوف الرهيب، بدأ السوريون البوح العلني بما يعتمل في صدورهم، وأطلقوا تساؤلاتهم المكبوتة، ومن أهمها، لماذا بقيت جبهة الجولان صامتة طيلة حكم آل الأسد؟، رغم كل جعجعة النظام عن مواجهة العدو الإسرائيلي لفظياً!؟ كانت الإجابات حاضرة وبقوة، منذ استشراس النظام في الأيام الأولى للثورة، واستخدامه أعتى وسائل القمع والتنكيل ضد شعبه، فيما كان الأكثر حرصاً طيلة نيف وأربعة عقود على بقاء جبهة الجولان هادئة وآمنة.

على إيقاع حربه الشعواء ضد السوريين الثائرين على سياساته الغاشمة، حلّ اليقين بالدور الوظيفي لنظام الأسد في حماية أمن إسرائيل، محل روايته الرائجة، والتي بدأت تتهاوى على وقع الحقائق المدويّة، مع كل ذلك، وتحديداً في الطور السلمي للثورة، قلّما تم التركيز على الموقف الإسرائيلي الرسمي من الثورة، بل إن صمت الحكومة الإسرائيلية، الذي تبنته كموقف رسمي معلن، منذ الشهر الثاني للثورة ولغاية مراحل متأخرة منها، كان يُضمر تضليل الرأي العام السوري، بإظهار إسرائيل كطرف محايد في الصراع، أو على الأقل غير متدخل في مجرياته.

في غضون ذلك كان يلهث بعض المتسلقين على أكتاف الثورة من أمثال (كمال اللبواني وفهد المصري وعبد الجليل السعيد) وغيرهم آخرون" لفتح خطوط التواصل مع دولة الاحتلال، وتبرير خطواتهم التطبيعية معها، بالعمل على كسب ودّها لتسريع سقوط النظام على الساحة الدولية، متناسين ومتجاهلين طبيعة علاقتها بالنظام، ودورها في منع سقوطه، وضمان بقائه حتى تدمير واستنزاف الكيان السوري لعقود طويلة.

على امتداد ثمانية سنوات فعل بها النظام ما كانت تحلم به إسرائيل وأكثر، عاد التساؤل عن دور الأخيرة في حماية النظام، مما يصعب تجاهله أو غض الطرف عنه، لاسيما أن وقائع ومحطات كثيرة خلال الثورة، كشفت عن مستويات أمنية وسياسية وتدخلات أخرى تحت غطاء إنساني، تعكس بمجملها حجم التدخل الإسرائيلي في المشهد السوري، لم يعد سراً أو محل شك، موافقة إسرائيل الضمنية على دخول عشرات ألوف الميليشيات التابعة لإيران، للدفاع عن نظام الأسد بصورة ملموسة منذ السنة الثانية للثورة، ثم وبعد أن اتضح عجز تلك الميليشيات عن حمايته في وجه التقدم السريع لفصائل الجيش الحر وقتذاك، لم تبدِ إسرائيل اعتراضاً على دخول القوات الروسية في السنة الخامسة للثورة، لتعديل موازين القوى لصالح النظام، وبدلالة تنسيقها العلني مع روسيا في الأجواء السورية.

في حين بذلت إسرائيل على الساحة الإقليمية والدولية، جهوداً حثيثة لتحويل الصراع في سورية، إلى فرصة تاريخية بالنسبة إليها، لإشغال الشعب السوري بأكبر كارثة إنسانية، ودفعه إلى تغيير نظرته العدائية لها، بسبب احتلالها الجولان وفلسطين، مقارنةً بالفظائع والأهوال التي ارتكبها نظام الأسد، والتي غطّى بها على جرائم الأولى في كثير من الأحيان. فضلاً عن استغلال حكومة نتنياهو لمأساة الشعب السوري، والحروب والأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية، لتمرير الشق السوري من صفقة القرن، وهو تشريع ضم احتلال الجولان، بمباركة أمريكية، توطئةً لسلخ الجولان عن الوطن السوري.

كان يدرك صانع القرار الإسرائيلي، أن استثمار الوضعية السورية، لتحقيق خططه وأهدافه الاستراتيجية من البوابة السورية، يتطلب الحفاظ على بقاء بشار الأسد وعصابته على رأس السلطة، وتأمين أداء دوره الوظيفي في تدمير سوريا، وجعلها مثخنة الجراح، وفاقدة لدورها ومكانتها العربية والإقليمية والدولية، أوضح مَن كشف خفايا الموقف الإسرائيليّ من سقوط النّظام، الكاتب الإسرائيلي (عنار شيلو) حين كتب في صحيفة هآرتس "يمكن أن نقرأ بين السّطور أنّ إسرائيل غير متحمّسة لسقوط الأسد، فهي تعاضد الأسد من غير أن يرى أحد، تدعو إسرائيل الله في الخفاء أن يصمد النظام الاستبداديّ القاتل، فالنظام الاستبداديّ يعني هدوءً في الجولان وإسرائيل كما هي اليوم تفضّل الوضع القائم وعالم الأمس".

أما وقد أصبحت الحقائق فوق السطور، وبدأ المسؤولون الإسرائيليون يخرجون عن صمتهم، ويجاهرون بخططهم، حتى على صعيد دعم إقامة كيان كردي منفصل في سوريا، فإن كل هذا ما كان ليجعل إسرائيل اليوم أكثر اطمئناناً على الجبهة السورية، لولا الخدمات الكبرى التي قدمها لها نظام الأسد منذ نشوئه، ولولا دورها المُعلن والمخفي خلال الثورة السورية، في الدفاع عن وجود النظام وحمايته من السقوط حتى انتهاء مهمته الكارثية على أكمل وجه.

 

أيمن أبو هاشم

 كاتب وباحث فلسطيني

 

 
Whatsapp