الحل السلمي وانتظار المجهول


ليس بعيدًا عن الواقع أن نقول: قضية الشعب السوري في تغيير النظام قد تبدو في جوهرها مرتبطة بمصالح دولية، وهي ترتهن لإرادة دولية تتمظهر في التحركات الدبلوماسية عبر إطار الأمم المتحدة وقرارها 2254 المكرر في كل مناسبة أو لقاء دولي من دون سند للضغط على الطرف الذي يقف عائقاً أمام تنفيذ هذا القرار، لقد كلف الأمين العام للأمم المتحدة العديد من الممثلين بخصوص هذه القضية منذ بداية الثورة السورية / ثورة الحرية والكرامة التي أطلقتها الجماهير بهدف تغيير النظام ووضع نهاية للاستبداد الذي أنهك كل مقدرات الحياة للشعب السوري في مزاولته للسلطة بعيدًا عن الالتزام بمبادئ الدستور وتشريعاته، الذي طرحه النظام وأقرَّه واستفتى عليه، إلا أنه مارس الحكم عن طريقة حكم المافيات في بقعة ليست خاضعة لمقاييس الحكم التي تحددها الشرعية الدولية، وأصبحت سورية كجزيرة معزولة عن هذا العالم وغائبة عن التطور والحداثة والعولمة.

يمارس المجتمع الدولي وظيفته كمؤسسة عالمية تؤمن السلم وتراقب انتهاكات حقوق الإنسان في جميع مجالاتها، وخصوصًا من جانب الأنظمة الحاكمة التي تضطهد شعوبها وتستغل الشرعية التي هي من تصنعها على قدها ومقاسها، وهي العضوة في الأمم المتحدة والموقعة على المواثيق والتشريعات والقوانين الخاصة بحقوق الإنسان. في الشأن السوري تَغَيَّبَ المجتمع الدولي، وهو حاضر فقط من خلال إرسال مبعوثين دوليين لمراقبة الحالة، وتقديم ما هو ممكن للحل بين (بين النظام والمعارضة). ونتيجة لذلك كان صدور القرار الدولي عام 2012 تحت رقم 2254 الذي يضمن خارطة الطريق للحل السياسي، حيث وافقت عليه كل الأطراف الدولية والإقليمية بما في ذلك النظام والمعارضة معاً.! إلا أن فقدان القرار لجانب من القوة تمارس ضد كل من يحاول الالتفاف عليه وعدم الالتزام بتطبيقه على الأرض، جعل منه حبراً على ورق، ليس له أي مفعول، وبالتالي كانت وظيفة المبعوث الدولي متعثرة ومعقدة وشائكة، وغير قابلة لأن تكون حاملة للحل السلمي في سوريا، كون الدول الفاعلة في المسألة السورية غير جادة في الممارسة على الأرض، لدفع الحالة نحو تهدئة الأوضاع، ووقف الحرب، والبدء بحلحلة القضية منطقياً، بدءاً من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وانتهاءً بصياغة دستور للبلاد والاستفتاء عليه ليتم بموجبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

أربع سنوات من عمل المبعوث الدولي الذي تم تكليفه بعد استقالة كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي و(ستيفان دي مستورا) اختزلت في النهاية كل مراحل الحل في تشكيل اللجنة الدستورية، وفي النهاية قدم دي مستورا اعتذاره للشعب السوري، وأكد في رسالة استقالته على أن النظام لا يلتزم بأي حل سياسي، وبالتالي هو من وضع العصي في عجلة السير نحو الأمام طوال فترة تكليفه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة. ولقد استلم منه المبعوث المكلف الجديد النرويجي السيد (غير بيدرسون) ليكمل مسيرة الحل، التي هي في حقيقتها مستعصية على مفترق بين النظام والمعارضة من جهة، ومن جهة أخرى بين الدول المؤثرة على المسألة السورية، وهي من تدير وتدفع بها من تعقيدٍ إلى تعقيد ليس للشعب السوري فيها إرادة، سوى أن يتأمل وينتظر المخرج نحو الفرج.

بدأ (بيدرسون) لقاءاته مع مسؤولين من دول الجوار السوري وكذلك الدول الفاعلة في المنطقة خلال مؤتمر بروكسل الذي انعقد بين 13-15 من شهر آذار الفائت، كما تابعها لقاء في دمشق للمرة الثانية، بعد تسلم أعماله ملتقياً بوفد النظام، وكذلك وفداً من هيئة التنسيق، تلا ذلك لقاءات مع الهيئة العليا للمفاوضات في اسطنبول في 23 آذار الفائت. وفي مجمل لقاءاته لخص رؤيته المقدمة لمجلس الأمن بخمسة نقاط رئيسية، وهي إعادة الثقة للحوار، والتأكيد على تحقيق تقدم في ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين، ومشاركة جميع السوريين في الحل، والعمل على الإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية "بقيادة سورية" وبرعاية الأمم المتحدة، مع إيجاد توازن بين القوى الخارجية الفاعلة في سوريا، إضافة إلى تأكيده على تطبيق القرار 2254، مبعدًا في ذلك الاعتماد على مسار اللجنة الدستورية التي اعتمدت من قبل روسيا وتركيا وإيران بشكل كامل، وذلك خلافاً لتوجه سلفه (دي ميستورا) الذي أكد قبل استقالته أنها كانت على وشك التشكل كبديل لمجمل المسار السياسي.

(بيدرسون) مستمر في لقاءاته، وهو بانتظار موقف أمريكا من المسار السياسي، وذلك بعد إعلان واشنطن عن إنهاء "دولة الخلافة"، ويبدو أن المشهد يتكرر في كل مراحل العمل السياسي والدبلوماسي الذي يقوم به مجلس الأمن بتكليفه لمبعوثيه إلى سوريا "والمشكلة عند النظام" ومن يساندونه عسكرياً وسياسياً، وبالتالي يبقى دور المبعوث الأممي في إطار الاستشارات من دون أن يكون له سلطة لفرض الرؤية التي تتكون منها صيغة القرار النهائي، وهذا ما يستغله النظام ولا يبدو أنه يمكن أن يتنازل عن خياره العسكري، ومازالت مسيرة المسألة السورية مستمرة نحو المجهول واللاحل.

 

أحمد قاسم

رئيس القسم الكردي

 
 
 
Whatsapp