المعتقلات في مسالخ النظام السوري


هنادة، كان لقائي بك قصيراً ولكنه يلازمني دوماً ويعنيني، كوني بخير

 

"الأنف الإغريقي"، حكاية من مهد الثورة السورية ترويها معتقلة سابقة لدى المخابرات الجوية.

بالرغم من أن فترة اعتقالها لم تتجاوز السبعة أشهر، إلا أنها كانت تجربة قاسية بكل المعاني لأنها كانت أماً وجدّة، تضيف "هنادة": شقيقي الشهيد "نايف الرفاعي" كان قاضياً عسكرياً، مع ذلك لم يستطع الوصول إلى أي خبر عن والدنا لأن كافة الاتصالات كانت مقطوعة عن المدينة. كانت تبحث على الإنترنت عن أية وسيلة للوصول إليه، حين وجدت مجموعة شبان من طلاب جامعة دمشق كانوا يذهبون في الليل إلى درعا لتوزيع الخبز والحليب على الأهالي.

رن موبايلي وإذ برجل يقول لي: والدك يرسل سلامه إلى "الأنف الإغريقي"، وآنذاك -كما تقول- كدت أطير فرحاً لأنني تأكدت أن أبي حي، كانت هذه جملته. بدأت هنادة آنذاك ضمن مجموعة سرية إعلامية كانت تجمع كل صور وفيديوهات الاعتقال والمظاهرات والشهداء لترسلها إلى العالم.

بتاريخ 15 آذار/مارس/2012 وأثناء محاولة هنادة تأمين أحد الضباط المنشقين في منطقة النبك ظهر لها وللأشخاص الذين كانوا برفقتها حاجز طيار لنظام الإجرام، استوقفهم وعرف عناصر الحاجز الضابط المنشق فأنزلوه مع الآخرين وبدأوا بضربهم، وتركوها في السيارة بعد أن أخذوا المفتاح لكنها كانت تحتفظ بنسخة في حقيبتها، وكان المكان خالياً من الأبنية والناس، حينها سارعت لتشغيل السيارة وانطلقت في محاولة للهرب فلحقوا بها في سيارة أخرى لمسافة 15 كلم تقريباً مع إطلاق نار حتى فقدت السيطرة ووقفت، فأمسكوا بها. تم تحويلها ومن معها إلى فرع المخابرات الجوية في حرستا، وهناك أدخلوها إلى مكتب العميد "محمد رحمون" في الطابق الثالث من المبنى وتم ضربهم على الدولاب في مكتبه، حيث كانت أياديهم مقيّدة إلى الخلف وعيونهم مغمضة. أمضت المعتقلة السابقة سبعة شهور في ذات الزنزانة من قبو فرع المخابرات الجوية في حرستا، وتم تحويلها إلى المحكمة العسكرية التي كان شقيقها قاضياً فيها، لكنه، حينها، كان قد اعتقل بعد مراقبته وثبوت مساعدته للمعتقلين.

بالرغم من مرور سنوات على الإفراج عنها، إلاّ أن هذه الفترة -كما تقول- كانت أطول من عمرها كله الذي تجاوز النصف قرن، فهي لا تستطيع أن تنسى مشاهد الأطفال المعتقلين ولا الشبان ولا النساء في الفرع الجهنمي، ولا من فقدوا عقولهم داخله، كما أنها لا تستطيع للحظة أن تنسى شقيقها القاضي الحر "نايف الرفاعي" الذي عانى الكثير في سجنه قبل أن يقتلوه بواسطة قطعة معدنية ثقيلة ضربوه بها على معدته، لا يوجد شيء في الكون مؤلم مثل شهيد تحت التعذيب.

بنبرة حزينة تضيف محدثتنا: "لن أنسى الوجوه ولا الصراخ، ولا كيف وضعوني في الدولاب مقيّدة حيث تم ضربي بكل وحشية وأنا معلّمة مدرسة بهذا العمر وعندي أحفاد".

إثر خروجها من المعتقل عاودت "هنادة" عملها الإغاثي مع مجموعة ناشطين في صحنايا بريف دمشق، كان من بينهم "مروان حاصباني" الذي تم اعتقاله واستشهد تحت التعذيب. تمكنت المعتقلة السابقة من الهروب إلى تركيا ثم إلى النمسا، حيث دأبت على المشاركة في المظاهرات السلمية التي تطالب بإسقاط نظام الأسد واعتادت -كما تقول- على الذهاب إلى حدود هنغاريا لمساعدة اللاجئين في خيمة الصليب الأحمر، والعمل مع منظمة إغاثية لمساعدة الشبان اللاجئين في مجال التعليم، وتقوم حالياً بالعمل التطوعي معهم في تدريس مادة اللغة الانكليزية والرياضيات علّها تستطيع تناسي فترة من حياتها مؤلمة وعصية على النسيان.

 

 
Whatsapp