دمك منارة يا ساروت


ماذا فعلت لربك يا باسط؟ لتحصل على كل هذا الرضا والمحبة، وكيف استطعت أن تبكينا دماً بدل الدموع فنثرنا لك أنبلها، تحجرت دموعنا لسنوات! بعد أن استنزفها حمزة وهاجر وناجي ومي أبو فرات وفدوى وحجي مارع وكثيرون قبلك، وأكمل علينا المعتقلون، كنت أظن أن دموعي قد جفت بعد اعتقال أخي فؤاد، لكن استشهادك أعاد لنا الحياة فكان رحيلك ولادة، عندما ركع الموت عند قدميك يستميحك عذراً، كيف استطاع أن يلامس شعرك الأشعث وينثر الدماء على بشرتك السمراء المخملية، حزن الموت لفقدانه بحة صوتك التي أطربتنا بعد سنوات من افتقادنا للطرب، نتمايل على صوتك وكأننا في عالم آخر، (يا يما بثوب جديد زفيني جيتك شهيد يا يما)، استشهادك كان رسالة للعالم أجمع أن ثورتنا لم ولن تنتهي، هنيئاً لك تلك الشهادة، فقد جعلت من دمك منارة لكل السوريين، لسنا حزانا لوجودك عند ربك ولكن حزننا أنك لن تكون بين محبيك عند الانتصار لتلهب الساحات بحيويتك وشبابك المتألق، أيها البدوي الأصيل، لقد تصدرت قائمة الشهداء، وفجرت الثورة من جديد، لم تعتل مدرعة ولاحمتك مرافقة ولم تترأس منطقة، ولم يكن هناك كرسي تجلس عليه، كنت لوحدك جيشاً كاملاً بثباتك واصرارك، طلبت الشهادة وسعيت جاهداً لنيلها ونلتها بجدارة وتفوق، نحترم اختيارك ونصغر أمامك، فأنت الآن في حضرة المليون شهيد، أنت الأقوى وأنتم الحق نتضاءل أمامكم ونشعر بالخجل لأننا أحياء، أريد أن أخبرك سراً، خبر استشهادك جمع الأحبة حزناً على فراقك، وفرق الأعداء خوفاً من توحدنا، حتى بمغادرتك أرعبتهم، جندوا قوتهم لمسح صورك من على الصفحات الاجتماعية ولم يعلموا أن صورتك وشمت في قلوبنا، وصوتك لامس شغاف قلوبنا وأطربنا وكأن كل بلابل العالم تغرد في وقت واحد، وبالرغم من ذلك تحدى محبيك الفيس ونشروا صورك بالآلاف على صفحاتهم، كن مطمئناً هم يحذفون ومحبيك يزدادون إصراراً، صدقاً توحد الفيس على صورتك وجنود الحذف شلت أياديهم فذهبوا للنوم فهم في حضرة السوريين الأحرار،  لو تعلم كيف تلقينا خبر استشهادك، أظلمت الدنيا وناست الشمس وهطل المطر وخيم الوجوم على كل الوجوه، هكذا استقبلنا خبر رحيلك، وبكينا، سامحنا حاولنا أن نبتسم فأنت شهيد جميل لم نستطع لأن هذه الدموع حبست طويلاً وانهمرت رغماً عنا، ، تمنينا أن نحضر رفاتك ونزغرد حتى تصل إلى عنان السماء فأنت عريس شهيد، (شهيدينا لا ما مات زغردنله يا لبنات) سأحاول أن أخبرك بكل شيء يدور حولك وعن كل أصدقاؤك الساروتيين، فارس الحلو حتى الحلو غاب عنه وظهر بوجه يحزن الحزن لحزنه وهو يحمل صورتك بين يديه، ومبدعنا علي فرزات حول اسمك للوحة خالدة، صبحي دسوقي لم يعد يسمع كلمة

( يابا) .

أما أحمد أبا زيد فقال (هذا قبرك في الأرض أوسع من الدنيا وأعلى من السماء بعيداً عن حمص ولكن أقرب من كلّ قلب لا تتركك أيادي الثوار ولا تتركها حياً أو ميتاً تسري في شرايينهم مع الدم المتدفق أيها البدوي الثائر الذي ألهب المدن والساحات أيها الحزن الغائر والحلم الحلو والغضب المشتعل كيف نرثيك دون أن نحمل أكبادنا الممزقة، أعطنا سداً يتسع لكل هذا النزيف من الذاكرة قبل الرحيل ها هي المدن تتحرك إليك بالحزن والمواكب والدمار وغبار المعارك القديمة تعتذر إليك ).

عذراً من كل السوريين الأحرار الساروتيين لا أستطيع أن أنقل رثائكم فهذا يستدعي آلاف الصفحات، 

يا صوتنا المبحوح والمقدس والباقي أبداً وصوتك لازال في قلوبنا يواسينا بمقولتك أم الشهيد نحن ولادك، أما صديقتي الساروتية مفيدة من الرقة قالت بالحرف الواحد: (في بداية الثورة وضعت صورة صفحتي الشخصية فدوى سليمان تحت اسم (جارة الوادي) وعندما تهجرت قسراً من سورية إلى مصر الشقيقة وضعت صورتي الشخصية والآن وضعت صورة الساروت رفيق النضال لفدوى لروحهما السلام، لن أغير هذه الصورة تحت مسمى ننتصر أو نموت، فدوى وساروت هم أبناء الثورة الذين ناضلوا بصدق وماتوا وهم أحرار ونحن على العهد باقون.).

أما كبرياء فكتبت: (حمص ستبقى في انتظار حارس صوتها ومغني ثورتها وزينة شبابها وشهيدها المضرّج بالحلم المغدور، وغداً عندما تنقشع هذه العتمة التي صنعها الاستبداد، غداً ستستعيدك حمص كي تستعيد اسمها من جديد، وكي يعود العاصي إلى مسيرته عاصياً على قانون الجغرافيا صاعداً إلى الأعلى كي يصبّ في بحر الحرية.).

سأختم كلامي وأنا على مضض لا أريد ترك هذه الصفحة لديًّ الكثير لأنقله لك وبكل مصداقية ومن الآخر، كل الشعب السوري الحر يفتقدك وبشدة فأنت من وحد قلوبهم ومسح عن عيونهم غشاوة مزيفة صنعها المغرضون، يا حارس الثورة رفاقك من بعدك مرابطون، كل سوري حر فقد جزءاً مهماً من قلبه وداعاً ساروت:  

السماء اليوم تحتفل بقدومك. 

 

إلهام حقي

رئيسة قسم المرأة

 

 

 
Whatsapp